الإبعاد الذي هو نتيجة الدعاء فهو من صنعه القائم به تعالى وحقيقته المبالغة في منع الرحمة.
وقال في المجمع : وقال بعض المحققين : إنما قال سبحانه هنا : ( وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ ) بالألف واللام ، وقال في سورة ص : ( لَعْنَتِي ) بالإضافة لأن هناك يقول : ( لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ ) مضافا ، فقال : ( وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي ) على المطابقة ، وقال هنا : ( ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) وساق الآية على اللام في قوله : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ) وقوله : ( وَالْجَانَ ) فأتى باللام أيضا في قوله : ( وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ ) انتهى وقال أيضا في الآية بيان أنه لا يؤمن قط.
وأما تقييد اللعنة بقوله : ( إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) فلأن اللعنة هي عنوان الإثم والوبال العائد إلى النفس من المعصية والمعصية محدودة بيوم القيامة فاليوم عمل ولا جزاء وغدا جزاء ولا عمل ، وإن شئت فقل : هذه الدار دار كتابة الأعمال وحفظها ويوم القيامة دار الحساب والجزاء.
وأما قول القائل : إن تحديد اللعن بيوم الدين دليل على كونه مغيا به مرفوعا فيه وفيما بعده فمما يدفعه ظاهر الآيات المبينة للعذاب يوم القيامة.
ويؤيد ذلك التعبير في الآية عن يوم القيامة بيوم الدين المشعر بأنه ملعون قبل يوم القيامة ومجزي به فيه ، ولو انقطع العذاب بقيام الساعة لكان اليوم يوم انقطاع الدين لا يوم الدين.
وربما قيل في دفع إشكال الغاية إن ذلك أبعد غاية يضربها الخلائق فهو كقوله : ( خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ) الآية ، وهو كما ترى وقد عرفت معنى الآية المقيس عليها في تفسير سورة هود.
وربما قيل : إن المراد باللعنة في الآية لعن الخلائق وذلك منقطع بمجيء يوم الدين دون لعنه تعالى وإبعاده له من رحمته فإنه متصل إلى الأبد.
وكأن هذا القائل ذهب عليه قوله تعالى في سورة ص : ( وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) الآية : ٧٨.
قوله تعالى : ( قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) الإنظار هو الإمهال وقد صدر كلامه بقوله : ( رَبِ ) وهو يخاصمه وقد عصاه واستكبر عليه تعالى لأنه في مقام