فصبر رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى نالوه بالعظائم ورموه بها ـ وضاق صدره وقال الله : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ـ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ).
( بحث فلسفي في كيفية وجود التكليف ودوامه )
قد تقدم في خلال أبحاث النبوة وكيفية انتشاء الشرائع السماوية في هذا الكتاب أن كل نوع من أنواع الموجودات له غاية كمالية هو متوجه إليها ساع نحوها طالب لها بحركة وجودية تناسب وجوده لا يسكن عنها دون أن ينالها إلا أن يمنعه عن ذلك مانع مزاحم فيبطل دون الوصول إلى غايته كالشجرة تقف عن الرشد والنمو قبل أن تبلغ غايتها لآفات تعرضها ، وتقدم أيضا أن الحرمان من بلوغ الغايات إنما هو في أفراد خاصة من الأنواع وأما النوع بنوعيته فلا يتصور فيه ذلك.
وأن الإنسان وهو نوع وجودي له غاية وجودية لا ينالها إلا بالاجتماع المدني كما يشهد به تجهيز وجوده بما لا يستغني به عن سائر أمثاله كالذكورة والأنوثة والعواطف والإحساسات وكثرة الحوائج وتراكمها.
وأن تحقق هذا الاجتماع وانعقاد المجتمع الإنساني يحوج أفراد المجتمع إلى أحكام وقوانين ينتظم باحترامها والعمل بها شتات أمورهم ويرتفع بها اختلافاتهم الضرورية ويقف بها كل منهم في موقفه الذي ينبغي له ويحوز بها سعادته وكماله الوجودي ، وهذه الأحكام والقوانين العملية في الحقيقة منبعثة عن الحوائج التي تهتف بها خصوصية وجود الإنسان وخلقته الخاصة بما لها من التجهيزات البدنية والروحية كما أن خصوصية وجوده وخلقته مرتبطة بخصوصيات العلل والأسباب التي تكون وجود الإنسان من الكون العام.
وهذا معنى كون الدين فطريا أي أنه مجموع أحكام وقوانين يرشد إليها وجود الإنسان بحسب التكوين وإن شئت فقل : سنن يستدعيها الكون العام فلو أقيمت أصلحت المجتمع وبلغت بالأفراد غايتها في الوجود وكمالها المطلوب ولو تركت وأبطلت أفسدت العالم الإنساني وزاحمت الكون العام في نظامه.
وأن هذه الأحكام والقوانين سواء كانت معاملية اجتماعية تصلح بها حال المجتمع