قوله تعالى : « وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً » الذي أوتي موسى عليهالسلام من الآيات على ما يقصه القرآن أكثر من تسع غير أن الآيات التي أتى بها لدعوة فرعون فيما يذكره القرآن تسع وهي : العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفدع والدم والسنون ونقص من الثمرات فالظاهر أنها هي المرادة بالآيات التسع المذكورة في الآية وخاصة مع ما فيها من محكي قول موسى لفرعون : « لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ » وأما غير هذه الآيات كالبحر والحجر وإحياء المقتول بالبقرة وإحياء من أخذته الصاعقة من قومه ونتق الجبل فوقهم وغير ذلك فهي خارجة عن هذه التسع المذكورة في الآية.
ولا ينافي ذلك كون الآيات إنما ظهرت تدريجا فإن هذه المحاورة مستخرجة من مجموع ما تخاصم به موسى وفرعون طول دعوته.
فلا عبرة بما ذكره بعض المفسرين مخالفا لما عددناه لعدم شاهد عليه وفي التوراة أن التسع هي العصا والدم والضفادع والقمل وموت البهائم وبرد كنار أنزل مع نار مضطرمة أهلكت ما مرت به من نبات وحيوان والجراد والظلمة وموت عم كبار الآدميين وجميع الحيوانات.
ولعل مخالفة التوراة لظاهر القرآن في الآيات التسع هي الموجبة لترك تفصيل الآيات التسع في الآية ليستقيم الأمر بالسؤال من اليهود لأنهم مع صريح المخالفة لم يكونوا ليصدقوا القرآن بل كانوا يبادرون إلى التكذيب قبل التصديق.
وقوله : « إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً » أي سحرت فاختل عقلك وهذا في معنى قوله المنقول في موضع آخر : « إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ » الشعراء : ٢٧ وقيل : المراد بالمسحور الساحر نظير الميمون والمشئوم بمعنى اليامن والشائم وأصله استعمال وزن الفاعل في النسبة ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى : « قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً » المثبور الهالك وهو من الثبور بمعنى الهلاك ، والمعنى قال موسى مخاطبا لفرعون : لقد علمت يا فرعون ما أنزل هؤلاء الآيات البينات إلا رب