توصيفه في آية أخرى بالقدس يشير إلى ذلك.
وقوله : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ » الباء للتعدية أي نزله الروح الأمين وأما قول من قال : إن الباء للمصاحبة والمعنى نزل معه الروح فلا يلتفت إليه لأن العناية في المقام بنزول القرآن لا بنزول الروح مع القرآن.
والضمير في « نَزَلَ بِهِ » للقرآن بما أنه كلام مؤلف من ألفاظ لها معانيها الحقة فإن ألفاظ القرآن نازلة من عنده تعالى كما أن معانيها نازلة من عنده على ما هو ظاهر قوله : « فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ » القيامة : ١٨ ، وقوله : « تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ » آل عمران : ١٠٨ ، الجاثية : ٦ ، إلى غير ذلك.
فلا يعبأ بقول من قال : إن الذي نزل به الروح الأمين إنما هو معاني القرآن الكريم ثم النبي صلىاللهعليهوآله كان يعبر عنها بما يطابقها ويحكيها من الألفاظ بلسان عربي.
وأسخف منه قول من قال : إن القرآن بلفظه ومعناه من منشئات النبي صلىاللهعليهوآله ألقته مرتبة من نفسه الشريفة تسمى الروح الأمين إلى مرتبة منها تسمى القلب.
والمراد بالقلب المنسوب إليه الإدراك والشعور في كلامه تعالى هو النفس الإنسانية التي لها الإدراك وإليها تنتهي أنواع الشعور والإرادة دون اللحم الصنوبري المعلق عن يسار الصدر الذي هو أحد الأعضاء الرئيسة كما يستفاد من مواضع في كلامه تعالى ، كقوله : « وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ » الأحزاب : ١٠ ، أي الأرواح ، وقوله : « فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » البقرة : ٢٨٣ ، أي نفسه إذ لا معنى لنسبة الإثم إلى العضو الخاص.
ولعل الوجه في قوله : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » دون أن يقول : عليك هو الإشارة إلى كيفية تلقيه صلىاللهعليهوآله القرآن النازل عليه ، وأن الذي كان يتلقاه من الروح هو نفسه الشريفة من غير مشاركة الحواس الظاهرة التي هي الأدوات المستعملة في إدراك الأمور الجزئية.
فكان صلىاللهعليهوآله يرى ويسمع حينما كان يوحى إليه من غير أن يستعمل حاستي البصر والسمع كما روي أنه كان يأخذه شبه إغماء يسمى برجاء الوحي.
فكان صلىاللهعليهوآله يرى الشخص ويسمع الصوت مثل ما نرى الشخص ونسمع الصوت غير أنه ما كان يستخدم حاستي بصره وسمعه الماديتين في ذلك كما نستخدمهما.