ولو كان رؤيته وسمعه بالبصر والسمع الماديين لكان ما يجده مشتركا بينه وبين غيره فكان سائر الناس يرون ما يراه ويسمعون ما يسمعه والنقل القطعي يكذب ذلك فكثيرا ما كان يأخذه برجاء الوحي وهو بين الناس فيوحى إليه ومن حوله لا يشعرون بشيء ولا يشاهدون شخصا يكلمه ولا كلاما يلقى إليه.
والقول بأن من الجائز أن يصرف الله تعالى حواس غيره صلىاللهعليهوآله من الناس عن بعض ما كانت تناله حواسه وهي الأمور الغيبية المستورة عنا.
هدم لبنيان التصديق العلمي إذ لو جاز مثل هذا الخطإ العظيم على الحواس وهي مفتاح العلوم الضرورية والتصديقات البديهية وغيرها لم يبق وثوق على شيء من العلوم والتصديقات.
على أن هذا الكلام مبني على أصالة الحس وأن لا وجود إلا لمحسوس وهو من أفحش الخطإ وقد تقدم في تفسير سورة مريم كلام في معنى تمثل الملك نافع في المقام.
وربما قيل في وجه تخصيص القلب بالإنزال إنه لكونه هو المدرك المكلف دون الجسد وإن كان يتلقى الوحي بتوسيط الأدوات البدنية من السمع والبصر ، وقد عرفت ما فيه.
وربما قيل : لما كان للنبي صلىاللهعليهوآله جهتان : جهة ملكية يستفيض بها ، وجهة بشرية يفيض بها ، جعل الإنزال على روحه لأنها المتصفة بالصفات الملكية التي يستفيض بها من الروح الأمين ، وللإشارة إلى ذلك قيل. « عَلى قَلْبِكَ » ولم يقل : عليك مع كونه أخصر. انتهى.
وهذا أيضا مبني على مشاركة الحواس والقوى البدنية في تلقي الوحي فيرد عليه ما قدمناه.
وذكر جمع من المفسرين أن المراد بالقلب هو العضو الخاص البدني وأن الإدراك كيفما كان من خواصه.
فمنهم من قال : إن جعل القلب متعلق الإنزال مبني على التوسع لأن الله تعالى يسمع القرآن جبرئيل بخلق الصوت فيحفظه وينزل به على الرسول صلىاللهعليهوآله ويقرؤه عليه فيعيه ويحفظه بقلبه فكأنه نزل به على قلبه.