من آثار الرحمة والنبات والأشجار والأثمار من آثار حياتها وهي أيضا من آثار الرحمة والتدبير تدبير إلهي يتفرع على خلقة الرياح والسحاب والمطر.
وقوله : « إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى » الإشارة بذلك إليه تعالى بما له من الرحمة التي من آثارها إحياء الأرض بعد موتها ، وفي الإشارة البعيدة تعظيم ، والمراد بالموتى موتى الإنسان أو الإنسان وغيره من ذوي الحياة.
والمراد بقوله : « إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى » الدلالة على المماثلة بين إحياء الأرض الميتة وإحياء الموتى إذ في كل منهما موت هو سقوط آثار الحياة من شيء محفوظ وحياة هي تجدد تلك الآثار بعد سقوطها ، وقد تحقق الإحياء في الأرض والنبات وحياة الإنسان وغيره من ذوي الحياة مثلها وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد ، فإذا جاز الإحياء في بعض هذه الأمثال وهو الأرض والنبات فليجز في البعض الآخر.
وقوله : « وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » تقرير للإحياء المذكور ببيان آخر وهو عموم القدرة فإن القدرة غير محدودة ولا متناهية فيشمل الإحياء بعد الموت وإلا لزم تقيدها وقد فرضت مطلقة غير محدودة.
قوله تعالى : « وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ » ضمير « فَرَأَوْهُ » للنبات المفهوم من السياق ، وقوله « لَظَلُّوا » جواب للقسم قائم مقام الجزاء ، والمعنى : وأقسم لئن أرسلنا ريحا باردة فضربت زروعهم وأشجارهم بالصفار ورأوه لظلوا بعده كافرين بنعمه.
ففي الآية توبيخهم بالتقلب السريع في النعمة والنقمة ، فإذا لاحت لهم النعمة بادروا إلى الاستبشار ، وإذا أخذ بعض ما أنعم الله به من فضله لم يلبثوا دون أن يكفروا بالمسلمات من النعم.
وقيل : ضمير « فَرَأَوْهُ » للسحاب لأن السحاب إذا كان أصفر لم يمطر ، وقيل : للريح فإنه يذكر ويؤنث ، والقولان بعيدان.
قوله تعالى : « فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ـ إلى قوله ـ فَهُمْ مُسْلِمُونَ » تعليل لما يفهم من السياق السابق كأنه قيل : لا تشتغل ولا تحزن بهؤلاء الذين تتبدل بهم الأحوال من إبلاس واستبشار وكفر ومن عدم الإيمان بآياتنا وعدم تعقلها فإنهم موتى وصم وعمي