الأقلام من ذلك المداد لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله لكونها غير متناهية.
ومن هنا يظهر أن في الكلام إيجازا بالحذف وأن قوله : « إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » في مقام التعليل ، والمعنى : لأنه تعالى عزيز لا يعزه ولا يقهره شيء فهذه الكتابة لا ينفد بها ما هو من عنده حكيم لا يفوض التدبير إلى غيره.
والآية متصلة بما قبلها من حيث دلالته على كون تدبير الخلق له سبحانه لا لغيره فسيقت هذه الآية للدلالة على سعة تدبيره وكثرة أوامره التكوينية في الخلق والتدبير إلى حيث ينفد البحر الممدود بسبعة أمثاله لو جعل مدادا وكتبت به أشجار الأرض المجعولة أقلاما قبل أن ينفد أوامره وكلماته.
قوله تعالى : « ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ » سوق للكلام إلى إمكان الحشر وخاصة من جهة استبعادهم المعاد لكثرة عدد الموتى واختلاطهم بالأرض من غير تميز بعضهم من بعض.
فقال تعالى : « ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ » في الإمكان والتأتي فإنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن ولا يعجزه كثرة ولا يتفاوت بالنسبة إليه الواحد والجمع ، وذكر الخلق مع البعث للدلالة على عدم الفرق بين البدء والعود من حيث السهولة والصعوبة بل لا يتصف فعله بالسهولة والصعوبة.
ويشهد لما ذكر إضافة الخلق والبعث إلى ضمير الجمع المخاطب والمراد به الناس ثم تنظيره بالنفس الواحدة ، والمعنى : ليس خلقكم معاشر الناس على كثرتكم ولا بعثكم إلا كخلق نفس واحدة وبعثها فأنتم على كثرتكم والنفس الواحدة سواء لأنه لو أشكل عليه بعث الجميع على كثرتهم والبعث لجزاء الأعمال فإنما يشكل من جهة الجهل بمختلف أعمالكم على كثرتها واختلاط بعضها ببعض لكنه ليس يجهل شيئا منها لأنه سميع لأقوالكم بصير بأعمالكم وبعبارة أخرى عليم بأعمالكم من طريق المشاهدة.
وبما مر يندفع الاعتراض على الآية بأن المناسب لتعليل كون خلق الكثير وبعثهم كنفس واحدة أن يعلل بمثل قولنا : إن الله على كل شيء قدير أو قوي عزيز أو ما يشبه ذلك لا بمثل السميع البصير الذي لا ارتباط له بالخلق والبعث.
وذلك أن الإشكال الذي تعرضت الآية لدفعه هو أن البعث لجزاء الأعمال وهي