الخبر باللام يفيد القصر أعني حصر المبتدإ في الخبر.
فقوله : « بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ » قصر له تعالى في الثبوت ، أي هو ثابت لا يشوب ثبوته بطلان وبعبارة أخرى هو ثابت من جميع الجهات وبعبارة ثالثة هو موجود على كل تقدير فوجوده مطلق غير مقيد بقيد ولا مشروط بشرط فوجوده ضروري وعدمه ممتنع وغيره من الموجودات الممكنة موجود على تقدير وهو تقدير وجود سببه وهو الوجود المقيد الذي يوجد بغيره من غير ضرورة في ذاته.
وإذا كان حقية الشيء هو ثبوته فهو تعالى حق بذاته وغيره إنما يحق ويتحقق به.
وإذا تأملت هذا المعنى حق تأمله وجدت أولا : أن الأشياء بأجمعها تستند في وجودها إليه تعالى وأيضا تستند في النظام الجاري فيها عامة وفي النظامات الجزئية الجارية في كل نوع من أنواعها وكل فرد من أفرادها إليه تعالى.
وثانيا : أن الكمالات الوجودية التي هي صفات الوجود كالعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والوحدة والخلق والملك والغنى والحمد والخبرة ـ مما عد في الآيات السابقة أو لم يعد ـ صفات قائمة به تعالى على حسب ما يليق بساحة كبريائه وعز قدسه لأنها صفات وجودية والوجود قائم به تعالى فهي إما عين ذاته كالعلم والقدرة وإما صفات خارجة عن ذاته منتزعة عن فعله كالخلق والرزق والرحمة.
وثالثا : أن قبول الشريك في ذاته أو في تدبيره وكل ما يحمل معنى الفقد والنقص مسلوب عنه تعالى وهذه هي الصفات السلبية كنفي الشريك ونفي التعدد ونفي الجسم والمكان والزمان والجهل والعجز والبطلان والزوال إلى غيرها.
فإن إطلاق وجوده وعدم تقيده بقيد ينفي عنه كل معنى عدمي أي إثبات الوجود مطلقا فإن مرجع نفي النفي إلى الإثبات.
ولعل قوله : « وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ » يفيد ثبوت الصفات له بكلتا مرحلتيها بناء على أن اسم « الْعَلِيُ » يفيد معنى تنزهه عن ما لا يليق بساحته فهو مجمع الصفات السلبية والكبير يفيد سعته لكل كمال وجودي فهو مجمع الصفات الثبوتية.
وأن صدر الآية برهان على ذيلها وذيلها برهان على استجماعه تعالى الصفات الثبوتية والسلبية جميعا على ما تقدم تقريره فهو الذات المستجمع لجميع صفات الكمال