فهو الله عز اسمه.
وقوله : « وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ » يجري فيه ما جرى في قوله : « ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ » فالذي يدعونه من الآلهة ليس لهم من الحقيقة شيء ولا إليهم من الخلق والتدبير شيء لأن الشريك في الألوهية والربوبية باطلا لا حق فيه وإذ كان باطلا على كل تقدير فلا يستند إليه خلق ولا تدبير مطلقا.
والحق والعلي والكبير ثلاثة من الأسماء الحسنى وقد تحقق مما تقدم أن الحق في معنى الواجب الوجود وأن العلي من الصفات السلبية والكبير من الصفات الثبوتية قريب المعنى من قولنا : المستجمع لصفات الكمال.
قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ » إلخ ، الباء في « بِنِعْمَتِ اللهِ » للسببية وذكر النعمة كالتوطئة لآخر الآية وفيه تلويح إلى وجوب شكره على نعمته لأن شكر المنعم واجب.
والمعنى : ألم تر أن الفلك تجري وتسير في البحر بسبب نعمة الله وهي أسباب جريانها من الريح ورطوبة الماء وغير ذلك.
واحتمل بعضهم أن الباء للتعدية أو المعية والمراد بالنعمة ما تحمله السفن من الطعام وسائر أمتعة الحياة.
وقد تمم الآية بقوله : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ » والصبار الشكور أي كثير الصبر عند الضراء وكثير الشكر عند النعماء كناية عن المؤمن على ما قيل.
قوله تعالى : « وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » إلخ ، قال الراغب : الظلة سحابة تظل وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره ، قال : « كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ » « عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ » انتهى.
والمعنى : وإذا غشيهم وأحاط بهم في البحر موج كقطع السحاب انقطعوا إلى الله ودعوه للنجاة حال كونهم مخلصين له الدين أي وفي ذلك دليل على أن فطرتهم على التوحيد.
وقوله : « فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ » المقتصد سألك القصد أي الطريق المستقيم والمراد به التوحيد الذي دلتهم عليه فطرتهم إذ ذلك ، وفي التعبير بمن التبعيضية