ابتلائه واستدراجه وكيده أخرى فيرون أن الاشتغال بالدنيا ونسيان الآخرة والإعراض عن الحق والحقيقة لا يستعقب عقوبة ولا يستتبع مؤاخذة ، وأن أبناء الدنيا كلما أمعنوا في طلبهم وتوغلوا في غفلتهم واستغرقوا في المعاصي والذنوب زادوا في عيشهم طيبا وفي حياتهم راحة وبين الناس جاها وعزة فيلقي الشيطان عند ذلك في قلوبهم أن لا كرامة إلا في التقدم في الحياة الدنيا ، ولا خبر عما وراءها وليس ما تتضمنه الدعوة الحقة من الوعد والوعيد وتخبر به النبوة من البعث والحساب والجنة والنار إلا خرافة.
فالمراد بغرور الشيطان الإنسان بالله اغترار الإنسان بما يعامل به الله الإنسان على غفلته وظلمه.
وربما قيل : إن المراد بالغرور الدنيا الغارة للإنسان وأن قوله : « وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ » تأكيد لقوله : « فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا » بتكراره معنى.
قوله تعالى : « إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا » إلخ. تعليل للنهي المتقدم في قوله : « وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ » والمراد بعداوة الشيطان أنه لا شأن له إلا إغواء الإنسان وتحريمه سعادة الحياة وحسن العاقبة ، والمراد باتخاذ الشيطان عدوا التجنب من اتباع دعوته إلى الباطل وعدم طاعته فيما يشير إليه في وساوسه وتسويلاته ولذلك علل عداوته بقوله : « إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ ».
فقوله؟ « إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ » في مقام تعليل ما تقدمه والحزب هو العدة من الناس يجمعهم غرض واحد ، واللام في « لِيَكُونُوا » للتعليل فكونهم من أصحاب السعير علة غائية لدعوته ، والسعير النار المسعرة وهو من أسماء جهنم في القرآن.
قوله تعالى : « الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ » هذا هو الوعد الحق الذي ذكره الله سبحانه ، وتنكير العذاب للدلالة على التفخيم على أن لهم دركات ومراتب مختلفة من العذاب باختلاف كفرهم وفسوقهم فالإبهام أنسب ويجري نظير الوجهين في قوله : « مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ ».
قوله تعالى : « أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ » تقرير وبيان للتقسيم الذي تتضمنه الآية السابقة أعني تقسيم الناس إلى كافر