وفيه أن مثل هذا الفعل مما تتنزه ساحة الأنبياء عليهمالسلام عن مثله فما ذنب الخيل لو شغله النظر إليها عن الصلاة حتى تؤاخذ بأشد المؤاخذة فتقتل تلك القتلة الفظيعة عن آخرها مع ما فيه من إتلاف المال المحترم.
وأما استدلال بعضهم عليه برواية أبي بن كعب عن النبي صلىاللهعليهوآله : في قوله تعالى : ( فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ ) ـ قطع سوقها وأعناقها بالسيف
ثم أضاف إليها وقد جعلها بذلك قربانا لله وكان تقريب الخيل مشروعا في دينه فليس من التقريب ذكر في الحديث ولا في غيره.
على أنه عليهالسلام لم يشتغل عن العبادة بالهوى بل شغلته عبادة عن عبادة كما تقدمت الإشارة إليه.
فالمعول عليه هو أول الوجوه إن ساعده لفظ الآية وإلا فالوجه الثاني.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ » الجسد هو الجسم الذي لا روح فيه.
قيل : المراد بالجسد الملقى على كرسيه هو سليمان نفسه لمرض امتحنه الله به وتقدير الكلام ألقيناه على كرسيه جسدا أي كجسد لا روح فيه من شدة المرض.
وفيه أن حذف الضمير من « ألقيناه » وإخراج الكلام على صورته التي في الآية الظاهرة في أن الملقى هو الجسد مخل بالمعنى المقصود لا يجوز حمل أفصح الكلام عليه.
ولسائر المفسرين أقوال مختلفة في المراد من الآية تبعا للروايات المختلفة الواردة فيها والذي يمكن أن يؤخذ من بينها إجمالا أنه كان جسد صبي له أماته الله وألقى جسده على كرسيه ، ولقوله : « ثُمَّ أَنابَ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي » إشعار أو دلالة على أنه كان له عليهالسلام فيه رجاء أو أمنية في الله فأماته الله سبحانه وألقاه على كرسيه فنبهه أن يفوض الأمر إلى الله ويسلم له.
قوله : « قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ » ظاهر السياق أن الاستغفار مرتبط بما في الآية السابقة من إلقاء الجسد على كرسيه ، والفصل لكون الكلام في محل دفع الدخل كأنه لما قيل : « ثُمَّ أَنابَ » قيل : فما ذا قال؟ فقيل : ( قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ) » إلخ.