وقوله : « الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ » خمسة من أسمائه الحسنى ، وقوله : « لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ » في معنى المالك ، وهو واقع موقع التعليل لأصل الوحي ولكونه سنة إلهية جارية فالذي يعطيه الوحي شرع إلهي فيه هداية الناس إلى سعادة حياتهم في الدنيا والآخرة وليس المانع أن يمنعه تعالى عن ذلك لأنه عزيز غير مغلوب فيما يريد ، ولا هو تعالى يهمل أمر هداية عباده لأنه حكيم متقن في أفعاله ومن إتقان الفعل أن يساق إلى غايته.
ومن حقه تعالى أن يتصرف فيهم وفي أمورهم كيف يشاء ، لأنه مالكهم وله أن يعبدهم ويستعبدهم بالأمر والنهي لأنه على عظيم فلكل من الأسماء الخمسة حظه من التعليل ، وينتج مجموعها أنه وليهم من كل جهة لا ولي غيره.
قوله تعالى : « تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ » إلخ التفطر التشقق من الفطر بمعنى الشق.
الذي يهدي إليه السياق والكلام مسرود لبيان حقيقة الوحي وغايته وآثاره أن يكون المراد من تفطر السماوات من فوقهن تفطرها بسبب الوحي النازل من عند الله العلي العظيم المار بهن سماء سماء حتى ينزل على الأرض فإن مبدأ الوحي هو الله سبحانه والسماوات طرائق إلى الأرض قال تعالى : « وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ » المؤمنون : ١٧.
والوجه في تقييد « يَتَفَطَّرْنَ » بقوله : « مِنْ فَوْقِهِنَ » ظاهر فإن الوحي ينزل عليهن من فوقهن من عند من له العلو المطلق والعظمة المطلقة فلو تفطرن كان ذلك من فوقهن.
على ما فيه من إعظام أمر الوحي وإعلائه فإنه كلام العلي العظيم فلكونه كلام ذي العظمة المطلقة تكاد السماوات يتفطرن بنزوله ولكونه كلاما نازلا من عند ذي العلو المطلق يتفطرن من فوقهن لو تفطرن.
فالآية في إعظام أمر كلام الله من حيث نزوله ومروره على السماوات نظيره قوله : « حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ » سبأ : ٢٣ في إعظامه من حيث تلقي ملائكة السماوات إياه ، ونظيره قوله : « لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ