عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ » الحشر : ٢١ في إعظامه على فرض نزوله على جبل ونظيره قوله : « إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً » المزمل : ٥ في استثقاله واستصعاب حمله. هذا ما يعطيه السياق.
وقد حمل القوم الآية على أحد معنيين آخرين :
أحدهما : أن المراد تفطرهن من عظمة الله وجلاله جل جلاله كما يؤيده توصيفه تعالى قبله بالعلي العظيم.
وثانيهما : أن المراد تفطرهما من شرك المشركين من أهل الأرض وقولهم : « اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً » فقد قال تعالى فيه : « تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ » مريم : ٩٠ فأدى ذلك إلى التكلف في توجيه تقييد التفطر بقوله : « مِنْ فَوْقِهِنَ » وخاصة على المعنى الثاني ، وكذا في توجيه اتصال قوله : « وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ » إلخ بما قبله كما لا يخفى على من راجع كتبهم.
وقوله : « وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ » أي ينزهونه تعالى عما لا يليق بساحة قدسه ويثنون عليه بجميل فعله ، ومما لا يليق بساحة قدسه أن يهمل أمر عباده فلا يهديهم بدين يشرعه لهم بالوحي وهو منه فعل جميل ، ويسألونه تعالى أن يغفر لأهل الأرض ، وحصول المغفرة إنما هو بحصول سببها وهو سلوك سبيل العبودية بالاهتداء بهداية الله سبحانه فسؤالهم المغفرة لهم مرجعه إلى سؤال أن يشرع لهم دينا يغفر لمن تدين به منهم فالمعنى والملائكة يسألون الله سبحانه أن يشرع لمن في الأرض من طريق الوحي دينا يدينون به فيغفر لهم بذلك.
ويشهد على هذا المعنى وقوع الجملة في سياق بيان صفة الوحي وكذا تعلق الاستغفار بمن في الأرض إذ لا معنى لطلب المغفرة منهم لمطلق أهل الأرض حتى لمن قال : « اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً » وقد حكى الله تعالى عنهم : « وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » الآية : المؤمن : ٧ فالمتعين حمل سؤال المغفرة على سؤال سببها وهو تشريع الدين لأهل الأرض ليغفر لمن تدين به.
وقوله : « أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » أي إن الله سبحانه لاتصافه بصفتي المغفرة والرحمة وتسميه باسمي الغفور الرحيم يليق بساحة قدسه أن يفعل بأهل الأرض ما ينالون