الله ، والمعنى : فإن تعدت إحدى الطائفتين على الأخرى بغير حق فقاتلوا الطائفة المتعدية حتى ترجع إلى ما أمر به الله وتنقاد لحكمه.
وقوله : « فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ » أي فإن رجعت الطائفة المتعدية إلى أمر الله فأصلحوا بينهما لكن لا إصلاحا بوضع السلاح وترك القتال فحسب بل إصلاحا متلبسا بالعدل بإجراء أحكام الله فيما تعدت به المتعدية من دم أو عرض أو مال أو أي حق آخر ضيعته.
وقوله : « وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ » الإقساط إعطاء كل ما يستحقه من القسط والسهم وهو العدل فعطف قوله : « وَأَقْسِطُوا » على قوله : « فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ » من عطف المطلق على المقيد للتأكيد ، وقوله : « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ » تعليل يفيد تأكيدا على تأكيد كأنه قيل : أصلحوا بينهما بالعدل وأعدلوا دائما وفي جميع الأمور لأن الله يحب العادلين لعدالتهم.
قوله تعالى : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ » استئناف مؤكد لما تقدم من الإصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين من المؤمنين ، وقصر النسبة بين المؤمنين في نسبة الإخوة مقدمة ممهدة لتعليل ما في قوله : « فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ » من حكم الصلح فيفيد أن الطائفتين المتقاتلتين لوجود الإخوة بينهما يجب أن يستقر بينهما الصلح ، والمصلحون لكونهم إخوة للمتقاتلتين يجب أن يسعوا في إصلاح ما بينهما.
وقوله : « فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ » ولم يقل : فأصلحوا بين الأخوين من أوجز الكلام وألطفه حيث يفيد أن المتقاتلتين بينهما أخوة فمن الواجب أن يستقر بينهما الصلح وسائر المؤمنين إخوان للمتقاتلتين فيجب عليهم أن يسعوا في الإصلاح بينهما.
وقوله : « وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ » موعظة للمتقاتلتين والمصلحين جميعا.
كلام في معنى الإخوة
واعلم أن قوله : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » جعل تشريعي لنسبة الإخوة بين المؤمنين لها آثار شرعية وحقوق مجعولة ، وقد تقدم في بعض المباحث المتقدمة أن من الأبوة والبنوة والأخوة وسائر أنواع القرابة ما هو اعتباري مجعول يعتبره الشرائع والقوانين