وأما قول بعضهم : إن المراد بالرسول في قوله : « أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ » هو النبي يبلغ الناس الوحي فلا يلائمه قوله : « فَيُوحِيَ » إذ لا يطلق الوحي على تبليغ النبي.
وإن القسم الثاني « أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ » وحي مع واسطة هو الحجاب غير أن الواسطة لا يوحي كما في القسم الثالث وإنما يبتدئ الوحي مما وراءه لمكان من ، وليس وراء بمعنى خلف وإنما هو الخارج عن الشيء المحيط به ، قال تعالى : « وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ » البروج : ٢٠ ، وهذا كتكليم موسى عليهالسلام في الطور ، قال تعالى : « فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ » القصص : ٣٠ ، ومن هذا الباب ما أوحي إلى الأنبياء في مناماتهم.
وإن القسم الأول تكليم إلهي للنبي من غير واسطة بينة وبين ربه من رسول أو أي حجاب مفروض.
ولما كان للوحي في جميع هذه الأقسام نسبة إليه تعالى على اختلافها صح إسناد مطلق الوحي إليه بأي قسم من الأقسام تحقق وبهذه العناية أسند جميع الوحي إليه في كلامه كما قال : « إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ » النساء : ١٦٣.
وقال : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ » النحل : ٤٣.
هذا ما يعطيه التدبر في الآية الكريمة ، وللمفسرين فيها أبحاث طويلة الذيل ومشاجرات أضربنا عن الاشتغال بها من أرادها فليراجع المفصلات.
وقوله : « إنه علي حكيم » تعليل لمضمون الآية فهو تعالى لعلوه عن الخلق والنظام الحاكم فيهم يجل أن يكلمهم كما يكلم بعضهم بعضا ، ولعلوه وحكمته يكلمهم بما اختار من الوحي وذلك أن هداية كل نوع إلى سعادته من شأنه تعالى كما قال : « الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى : طه : ٥٠ ، وقال : « وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ » النحل : ٩ ، وسعادة الإنسان الذي يسلك سبيل سعادته بالشعور والعلم في إعلام سعادته والدلالة إلى سنة الحياة التي تنتهي إليها ولا يكفي في ذلك العقل الذي من شأنه الإخطاء والإصابة فاختار سبحانه لذلك طريق الوحي الذي لا يخطئ البتة ، وقد فصلنا القول في هذه الحجة في موارد من هذا الكتاب.