قوله تعالى : « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » إلخ ، ظاهر السياق كون « كَذلِكَ » إشارة إلى ما ذكر في الآية السابقة من الوحي بأقسامه الثلاث ، ويؤيده الروايات الكثيرة الدالة على أنه صلىاللهعليهوآله كما كان يوحى إليه بتوسط جبريل وهو القسم الثالث كان يوحى إليه في المنام وهو من القسم الثاني ويوحى إليه من دون توسط واسطة وهو القسم الأول.
وقيل : الإشارة إلى مطلق الوحي النازل على الأنبياء وهذا متعين على تقدير كون المراد بالروح هو جبريل أو الروح الأمري كما سيأتي.
والمراد بإيحاء الروح ـ على ما قيل ـ إيحاء القرآن وأيد بقوله : « ولكن جعلناه نورا » إلخ ، ومن هنا قيل : إن المراد بالروح القرآن.
لكن يبقى عليه أولا : أنه لا ريب أن الكلام مسوق لبيان أن ما عندك من المعارف والشرائع التي تتلبس بها وتدعو الناس إليها ليس مما أدركته بنفسك وأبديته بعلمك بل أمر من عندنا منزل إليك بوحينا ، وعلى هذا فلو كان المراد بالروح الموحي القرآن كان من الواجب الاقتصار على الكتاب في قوله : « ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » لأن المراد بالكتاب القرآن فيكون الإيمان زائدا مستغنى عنه.
وثانيا : أن القرآن وإن أمكن أن يسمى روحا باعتبار إحيائه القلوب بهداه كما قال تعالى : « إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » الأنفال : ٢٤ ، وقال : « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » الأنعام : ١٢٢ ، لكن لا وجه لتقيده حينئذ بقوله : « مِنْ أَمْرِنا » والظاهر من كلامه تعالى أن الروح من أمره خلق من العالم العلوي يصاحب الملائكة في نزولهم ، قال تعالى : « تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ » القدر : ٤ ، وقال : « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا » النبأ : ٣٨ ، وقال : « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي : إسراء : ٨٥ ، وقال : « وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ » البقرة : ٨٧ ، وقد سمي جبريل الروح الأمين وروح القدس حيث قال : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ » الشعراء : ١٩٣ ، وقال : « قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ » النحل : ١٠٢.
ويمكن أن يجاب عن الأول بأن مقتضى المقام وإن كان هو الاقتصار على ذكر