الكتاب فقط لكن لما كان إيمانه صلىاللهعليهوآله بتفاصيل ما في الكتاب من المعارف والشرائع من لوازم نزول الكتاب غير المنفكة عنه وآثاره الحسنة صح أن يذكر مع الكتاب فالمعنى : وكذلك أوحينا إليك كتابا ما كنت تدري ما الكتاب ولا ما تجده في نفسك من أثره الحسن الجميل وهو إيمانك به.
وعن الثاني أن المعهود من كلامه في معنى الروح وإن كان ذلك لكن حمل الروح في الآية على ذلك المعنى وإرادة الروح الأمري أو جبريل منه يوجب أخذ « أَوْحَيْنا » بمعنى أرسلنا إذ لا يقال : أوحينا الروح الأمري أو الملك فلا مفر من كون الإيحاء بمعنى الإرسال وهو كما ترى فأخذ الروح بمعنى القرآن أهون من أخذ الإيحاء بمعنى الإرسال والجوابان لا يخلوان عن شيء.
وقيل : المراد بالروح جبريل فإن الله سماه في كتابه روحا قال : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » الشعراء : ١٩٤ وقال : « قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ».
وقيل : المراد بالروح الروح الأمري الذي ينزل مع ملائكة الوحي على الأنبياء كما قال تعالى : « يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا » النحل : ٢ ، فالمراد بإيحائه إليه إنزاله عليه.
ويمكن أن يوجه التعبير عن الإنزال بالإيحاء بأن أمره تعالى على ما يعرفه في قوله : « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ » يس : ٨٢ ، هو كلمته ، والروح من أمره كما قال : « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي : إسراء : ٨٥ ، فهو كلمته ، وهو يصدق ذلك قوله في عيسى بن مريم عليهالسلام : « إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ » النساء : ١٧١ ، وإنزال الكلمة تكليم فلا ضير في التعبير عن إنزال الروح بإيحائه ، والأنبياء مؤيدون بالروح في أعمالهم كما أنهم يوحى إليهم الشرائع به قال تعالى : « وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ » وقد تقدمت الإشارة إليه في تفسير قوله تعالى : « وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ » الأنبياء : ٧٣.
ويمكن رفع إشكال كون الإيحاء بمعنى الإنزال والإرسال بالقول بكون قوله : « رُوحاً » منصوبا بنزع الخافض ورجوع ضمير « جعلناه » إلى القرآن المعلوم من السياق أو الكتاب والمعنى وكذلك أوحينا إليك القرآن بروح منا ما كنت تدري ما الكتاب