الفضل العظيم كذا قال المفسرون.
ومن الممكن أن تكون الإشارة بذلك إلى البعث بما له من النسبة إلى أطرافه من المرسل والمرسل إليهم ، والمعنى : ذلك البعث من فضل الله يؤتيه من يشاء وقد شاء أن يخص بهذا الفضل محمدا صلىاللهعليهوآله فاختاره رسولا ، وأمته فاختارهم لذلك فجعله منهم وأرسله إليهم.
والآية والآيتان قبلها أعني قوله : « هُوَ الَّذِي بَعَثَ ـ إلى قوله ـ الْعَظِيمِ » مسوقة سوق الامتنان.
قوله تعالى : « مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً » إلخ ، قال الراغب : السفر ـ بالفتح فالسكون ـ كشف الغطاء ويختص ذلك بالأعيان نحو سفر العمامة عن الرأس والخمار عن الوجه ـ إلى أن قال ـ والسفر ـ بالكسر فالسكون ـ الكتاب الذي يسفر عن الحقائق قال تعالى : « كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً » انتهى.
والمراد بتحميل التوراة تعليمها ، والمراد بحملها العمل بها على ما يؤيده السياق ويشهد به ما في ذيل الآية من قوله : « بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ » ، والمراد بالذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها اليهود الذين أنزل الله التوراة على رسولهم موسى عليهالسلام فعلمهم ما فيها من المعارف والشرائع فتركوها ولم يعملوا بها فحملوها ولم يحملوها فضرب الله لهم مثل الحمار يحمل أسفارا وهو لا يعرف ما فيها من المعارف والحقائق فلا يبقى له من حملها إلا التعب بتحمل ثقلها.
ووجه اتصال الآية بما قبلها أنه تعالى لما افتتح الكلام بما من به على المسلمين من بعث نبي أمي من بين الأميين يتلو عليهم آيات كتابه ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فيخرجهم من ظلمات الضلال إلى نور الهدى ومن حضيض الجهل إلى أوج العلم والحكمة وسيشير تعالى في آخر السورة إشارة عتاب وتوبيخ إلى ما صنعوه من الانفضاض والانسلال إلى اللهو والتجارة والنبي صلىاللهعليهوآله قائم يخطبهم يوم الجمعة وهو من الاستهانة بما هو من أعظم المناسك الدينية ويكشف أنهم لم يقدروها حق قدرها ولا نزلوها منزلتها.
فاعترض الله سبحانه بهذا المثل وذكرهم بحال اليهود حيث حملوا التوراة ثم لم يحملوها فكانوا كالحمار يحمل أسفارا ولا ينتفع بما فيها من المعرفة والحكمة ، فعليهم أن يهتموا بأمر الدين ويراقبوا الله في حركاتهم وسكناتهم ويعظموا رسوله صلىاللهعليهوآله ويوقروه ولا يستهينوا