٤ وظاهر الآية أنها موجود مستقل وخلق سماوي غير الملائكة ، ونظير الآية بوجه قوله تعالى : « تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ » المعارج : ٤.
وأما الروح المتعلقة بالإنسان فقد عبر عنها بمثل قوله : « وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي » « وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ » وأتي بكلمة « مِنْ » الدالة على المبدئية وسماه نفخا وعبر عن الروح التي خصها بالمؤمنين بمثل قوله : « وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » المجادلة : ٢٢ فأتى بالباء الدالة على السببية وسماه تأييدا وتقوية ، وعبر عن الروح التي خصها بالأنبياء بمثل قوله : « وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ » البقرة : ٨٧ فأضاف الروح إلى القدس وهو النزاهة والطهارة وسماه أيضا تأييدا.
وبانضمام هذه الآيات إلى مثل آية سورة القدر يظهر أن نسبة الروح المضافة التي في هذه الآيات إلى الروح المطلقة المذكورة في سورة القدر نسبة الإفاضة إلى المفيض والظل إلى ذي الظل بإذن الله.
وكذلك الروح المتعلقة بالملائكة من إفاضات الروح بإذن الله ، وإنما لم يعبر في روح الملك بالنفخ والتأييد كالإنسان بل سماه روحا كما في قوله تعالى : « فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا » ، وقوله : « قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ » النحل : ١٠٢ ، وقوله : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ » الشعراء : ١٩٣ لأن الملائكة أرواح محضة على اختلاف مراتبهم في القرب والبعد من ربهم ، وما يتراءى من الأجسام لهم تمثلات كما يشير إليه قوله تعالى : « فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا » مريم : ١٧ وقد تقدم الكلام في معنى التمثل في ذيل الآية بخلاف الإنسان المخلوق مؤلفا من جسم ميت وروح حية فيناسبه التعبير بالنفخ كما في قوله « فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي » الحجر : ٢٩.
وكما أوجب اختلاف الروح في خلق الملك والإنسان اختلاف التعبير بالنفخ وعدمه كذلك اختلاف الروح من حيث أثرها وهو الحياة شرفا وخسة أوجب اختلاف التعبير بالنفخ والتأييد وعد الروح ذات مراتب مختلفة باختلاف أثر الحياة.
فمن الروح الروح المنفوخة في الإنسان قال : « وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ».
ومن الروح الروح المؤيد بها المؤمن قال : « أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » المجادلة : ٢٢ وهي أشرف وجودا وأعلى مرتبة وأقوى أثرا من الروح