قوله تعالى : « كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ » ردع عما قاله المكذبون : « أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ » قال الراغب : الرين صدا يعلو الشيء الجليل (١) قال تعالى : « بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ » أي صار ذلك كصدء على جلاء قلوبهم فعمي عليهم معرفة الخير من الشر ، انتهى. فكون ما كانوا يكسبون وهو الذنوب رينا على قلوبهم هو حيلولة الذنوب بينهم وبين أن يدركوا الحق على ما هو عليه.
ويظهر من الآية :
أولا : أن للأعمال السيئة نقوشا وصورا في النفس تنتقش وتتصور بها.
وثانيا : أن هذه النقوش والصور تمنع النفس أن تدرك الحق كما هو وتحول بينها وبينه.
وثالثا : أن للنفس بحسب طبعها الأولي صفاء وجلاء تدرك به الحق كما هو وتميز بينه وبين الباطل وتفرق بين التقوى والفجور قال تعالى : « وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها » الشمس : ٨.
قوله تعالى : « كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ » ردع عن كسب الذنوب الحائلة بين القلب وإدراك الحق ، والمراد بكونهم محجوبين عن ربهم يوم القيامة حرمانهم من كرامة القرب والمنزلة ولعله مراد من قال : إن المراد كونهم محجوبين عن رحمة ربهم.
وأما ارتفاع الحجاب بمعنى سقوط الأسباب المتوسطة بينه تعالى وبين خلقه والمعرفة التامة به تعالى فهو حاصل لكل أحد قال تعالى : « لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ » المؤمن : ١٦ وقال : « وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ » النور : ٢٥.
قوله تعالى : « ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ » أي داخلون فيها ملازمون لها أو مقاسون حرها على ما فسره بعضهم و « ثُمَ » في الآية وما بعدها للتراخي بحسب رتبة الكلام.
قوله تعالى : « ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ » هو توبيخ وتقريع والقائل خزنة النار أو أهل الجنة.
قوله تعالى : « كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ » ردع في معنى الردع الذي في قوله : « كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ » وعليون ـ كما تقدم ـ علو على علو مضاعف ، وينطبق على الدرجات العالية ومنازل القرب من الله تعالى كما أن السجين بخلافه.
__________________
(١) الجلي ظ.