أما مصونيته من حين صدوره من مصدره إلى أن ينتهي إلى الرسول فيكفي في الدلالة عليه قوله « مِنْ خَلْفِهِ » (١) وأما مصونيته حين أخذ الرسول إياه وتلقيه من ملك الوحي بحيث يعرفه ولا يغلط في أخذه ، ومصونيته في حفظه بحيث يعيه كما أوحي إليه من غير أن ينساه أو يغيره أو يبدله ، ومصونيته في تبليغه إلى الناس من تصرف الشيطان فيه فالدليل عليه قوله : « لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ » حيث يدل على أن الغرض الإلهي من سلوك الرصد أن يعلم إبلاغهم رسالات ربهم أي أن يتحقق في الخارج إبلاغ الوحي إلى الناس ، ولازمه بلوغه إياهم ولو لا مصونية الرسول في الجهات الثلاث المذكورة جميعا لم يتم الغرض الإلهي وهو ظاهر ، وحيث لم يذكر تعالى للحصول على هذا الغرض طريقا غير سلوك الرصد دل ذلك على أن الوحي محروس بالملائكة وهو عند الرسول كما أنه محروس بهم في طريقه إلى الرسول حتى ينتهي إليه ، ويؤكده قوله بعد : « وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ ».
وأما مصونيته في مسيره من الرسول حتى ينتهي إلى الناس فيكفي فيه قوله : « مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ » على ما تقدم من معناه.
أضف إلى ذلك دلالة قوله : « لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ » بما تقدم من تقريب دلالته.
ويتفرع على هذا البيان أن الرسول مؤيد بالعصمة في أخذ الوحي من ربه وفي حفظه وفي تبليغه إلى الناس مصون من الخطإ في الجهات الثلاث جميعا لما مر من دلالة الآية على أن ما نزله الله من دينه على الناس من طريق الرسالة بالوحي مصون في جميع مراحله إلى أن ينتهي إلى الناس ومن مراحله مرحلة أخذ الرسول للوحي وحفظه له وتبليغه إلى الناس.
والتبليغ يعم القول والفعل فإن في الفعل تبليغا كما في القول فالرسول معصوم من المعصية باقتراف المحرمات وترك الواجبات الدينية لأن في ذلك تبليغا لما يناقض الدين فهو معصوم من فعل المعصية كما أنه معصوم من الخطإ في أخذ الوحي وحفظه وتبليغه قولا.
وقد تقدمت الإشارة إلى أن النبوة كالرسالة في دورانها مدار الوحي فالنبي كالرسول في خاصة العصمة ، ويتحصل بذلك أن أصحاب الوحي سواء كانوا رسلا أو أنبياء
__________________
(١) هذا بناء على رجوع الضمير إلى الرسول وأما بناء على احتمال رجوع الضمير إلى الغيب فالدال عليه مجموع « من بين يديه ومن خلفه » لكنه ضعيف كما تقدم.