لا يكون إلا ثلاثين يوما على ما يزعمه ، لأنه يفيد أن أيام الصيام معدودة ، وهذا لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف فيما به يعلم أول هذا المعدود وآخره.
وليس في الآية ما يدل عليه ، على أن المراد بقوله تعالى (مَعْدُوداتٍ) أنها قليلات ، كما قال تعالى (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) (١) وقال حكاية عن الكفار (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلّا أَيّاماً مَعْدُودَةً) (٢) ، والفائدة في ذلك التسهيل لفرض الصيام ، وأنه سبحانه (٣) لم يكلف العباد ما لا يطيقون ، وإذا كان ذلك هو المراد لم يكن لهم فيها دلالة على أنه لا يمتنع أن يكون للمعدود حدان ، لا يتجاوز أكثرهما ولا ينقص عن أقلهما ، كما نقول في أيام الحيض : أنها معدودة محصورة ، وإن كان لأكثرها حد لا يزيد عليه وهو عشرة أيام ، ولأقلها حد لا ينقص عنه وهو ثلاثة أيام ، فكذلك أيام شهر رمضان لا يمتنع أن يسمى معدودة ، ولها حدان أعلاهما ثلاثون وأدناهما تسعة وعشرون.
على أن أهل التفسير قد قالوا : إن المراد بهذه الأيام عشر المحرم ، وأنه تعالى كان كتب صيامها وجعل على من أفطر مع القدرة على الصوم فدية من طعام ، ثم نسخ ذلك بما فرضه عقيبه بلا فصل من صوم شهر رمضان (٤) ، وإذا كانت الآية منسوخة بطل التعلق بها على كل حال.
وقوله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) (٥) لا يدل على وجوب إكمال رمضان ثلاثين يوما على ما ظنوه ، لأن الله سبحانه محال أن يتعبد المكلفين بفعل الأيام وإكمالها ، وإنما تعبدهم بإكمال العمل فيها ، وذلك بأن يصام إلى آخرها ، سواء كانت ثلاثين ، أو تسعة وعشرين ، كما أن إكمال العدة للمعتدة بالشهور إذا طلقها أو مات عنها زوجها إنما هو باستيفاء أيام الشهور ، سواء كان كل واحد منها ثلاثين أو تسعة وعشرين ، وقد قال تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
__________________
(١) يوسف : ٢٠.
(٢) البقرة : ٨٠.
(٣) في «ج» : إذ انه سبحانه.
(٤) لاحظ مجمع البيان : ٢ ـ ٢٧٣.
(٥) البقرة : ١٨٥.