وقد رووا أصحابنا جواز بيعه إذا بيع معه في الصفقة سلعة أخرى ، وبيع سمك الآجام مع ما فيها من القصب ، ويدل على هذا الموضع الإجماع المشار إليه وظاهر القرآن ، وإنما أخرجنا منه ما عدا هذا الموضع لدليل قاطع ، والبيع لما ذكرناه في هذه الصورة ليس بغرر ، لأن ما ينضم في العقد إليه يخرجه عن ذلك ، ولهذا جاز بيع الثمرة الموجود بعضها المتوقع وجود باقيها ـ عندنا وعند مالك ـ وطلع النخل الذي لم يؤبر مع أصوله وإن كان في الحال معدوما ولا يمكن تسليمه بلا خلاف.
ولما ذكرناه من هذين الشرطين نهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (١) عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، وذلك لا يجوز فيها منفردة عن الأصول سنة واحدة بشرط التبقية إجماعا بلا خلاف ، ويجوز بشرط القطع في الحال إجماعا ، ولا يجوز بيعها مطلقا ، وفي ذلك خلاف ، ودليلنا عليه إجماع الطائفة.
ويجوز عندنا خاصة بيعها مطلقا سنتين فصاعدا ، لأنها إن خاست في سنة زكت في أخرى ، وظاهر القرآن ودلالة الأصل تدلان على ذلك بعد إجماع الطائفة ، فإذا بدا صلاحها وأمنت العاهة (٢) جاز بيعها على كل حال ، مطلقا وبشرط القطع أو التبقية ، بدليل ما قدمناه في المسألة الأولى.
ولما ذكرناه من الشرطين نهى أيضا عن بيع حبل الحبلة ـ وهو نتاج النتاج (٣) ـ وعن بيع الملاقيح ـ وهو ما في بطون الأمهات ـ وعن بيع المضامين ـ وهو ما في أصلاب الفحول ـ لأن ذلك مجهول غير مقدور على تسليمه.
__________________
(١) سنن البيهقي : ٥ ـ ٣٠١ و ٣١٠ كتاب البيع.
(٢) العاهة : الآفات والأمراض التي تصيب الثمار والزرع قبل نضوجها فتفسدها ، أو تهلكها ، يقال : عاه القوم ، وأعوهوا : إذا أصابت ثمارهم أو زرعهم أو ماشيتهم العاهة. لاحظ النهاية لابن الأثير.
(٣) ومعناه : أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة على تقدير أن سيكون أنثى ، وإنما نهى عنه لأنه غرر. والحبل الأول يراد به : ما في بطون النوق ، والثاني : الحبل الذي في بطون النوق. لاحظ جامع الأصول لابن الأثير : ١ ـ ٤١١.