فصل في الغصب
من غصب شيئا له مثل ـ وهو ما تساوت قيمة أجزائه ، كالحبوب ، والأدهان ، والتمور (١) وما أشبه ذلك ـ وجب عليه رده بعينه ، فإن تلف فعليه مثله ، بدليل قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٢) ، ولأن المثل يعرف مشاهدة ، والقيمة يرجع فيها إلى الاجتهاد ، والمعلوم مقدم على المجتهد فيه ، ولأنه إذا أخذ المثل أخذ وفق حقه ، وإذا أخذ القيمة ، ربما زاد ذلك أو نقص.
فإن أعوز المثل أخذت القيمة ، فإن لم يقبض بعد الإعواز حتى مضت مدة اختلفت القيمة فيها ، كان له المطالبة بالقيمة حين القبض لا حين الإعواز ـ وإن كان قد حكم بها الحاكم حين الإعواز ـ لأن الذي ثبت في ذمته المثل ، بدليل أنه متى زال الإعواز قبل القبض ، طولب بالمثل ، وحكم الحاكم بالقيمة لا ينقل المثل إليها ، وإذا كان الواجب المثل ، اعتبر بدل مثله (٣) حين قبض البدل ، ولم ينظر إلى اختلاف القيمة بعد الإعواز ولا قبله.
وإن غصب ما لا مثل له ـ ومعناه لا يتساوى قيمة أجزائه ، كالثياب ، والرقيق ، والخشب ، والحطب ، والحديد ، والرصاص والعقار ، وغير ذلك من الأواني وغيرها ـ وجب أيضا رده بعينه.
__________________
(١) التمور جمع التمرة : المصباح المنير.
(٢) البقرة : ١٩٤.
(٣) في الأصل : بذل مثله.