فصل في الوديعة
المرء مخير في قبول الوديعة والامتناع من ذلك ، وهو أولى ما لم يكن فيه ضرر على المودع ، ويجب عليه حفظها بعد القبول لها ، كما يحفظ ماله.
وهي أمانة لا يلزم ضمانها إلا بالتعدي ، فإن تصرف فيها أو في بعضها ، ضمنها وما أربحت ، وكذا إن فك ختمها ، أو حل شدها ، أو نقلها من حرز إلى ما هو دونه ، كان متعديا ، ويلزمه الضمان بدليل إجماع الطائفة ، وكذا إن لم يكن هناك ضرورة من خوف نهب (١) أو غرق أو غيرهما ، فسافر بها ، أو أودعها أمينا آخر وصاحبها حاضر ، أو خالف مرسوم صاحبها في كيفية حفظها ، وكذا لو أقر بها لظالم يريد أخذها ، من دون أن يخاف القتل ، أو سلمها إليه بيده ، أو بأمره ، وإن خاف ذلك ، ويجوز له أن يحلف أنه ليس عنده وديعة إذا طولب بذلك ، ويروى في يمينه بما يسلم به من الكذب ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ولا ضمان عليه إن هجم الظالم ، فأخذ الوديعة قهرا.
ولو تعدى المودع ثم أزال التعدي ، مثل أن يردها إلى الحرز بعد إخراجها ، لم يزل الضمان ، لأنه لا خلاف أنه كان لازما له قبل الرد ، ومن ادعى سقوطه عنه بعده ، فعليه الدليل ، ولو أبرأه صاحبها من الضمان بعد التعدي ، وقال : قد جعلتها وديعة عندك من الآن ، بريء ، لأن ذلك حق له ، فله التصرف فيه بالإبراء والإسقاط ، ويزول الضمان بردها إلى صاحبها أو وكيله ، سواء أودعه إياها مرة ثانية ، أم لا ، بلا خلاف.
__________________
(١) في «ج» : من خوف ونهب.