فأما المستعمل في الغسل الواجب ففيه خلاف بين أصحابنا (١) ، وظاهر القرآن مع من أجراه مجرى المستعمل في الوضوء إلا أن يخرجه دليل قاطع.
ومن يقول : إن الاستعمال على كل حال يخرجه عن تناول اسم الماء بالإطلاق ، يحتاج إلى دليل ، ولأن من شربه وقد حلف أن لا يشرب ماء يحنث بلا خلاف ، وهذا يبطل قوله.
ولا يجوز الوضوء بغير الماء من المائعات ، نبيذ تمر كان أو ماء ورد أو غيرهما ، بدليل الإجماع المذكور ، وظاهر قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) (٢) لأنه يقتضي نقلنا عن الماء إلى التراب من غير واسطة ، ومن أجاز الوضوء بغير الماء ، فقد جعل بينهما واسطة ، وزاد في الظاهر ما لا يقتضيه.
والوضوء بالماء المغصوب لا يرفع الحدث ، ولا يبيح الصلاة بالإجماع ، وأيضا فالوضوء عبادة يستحق بها الثواب ، فإذا فعل بالماء المغصوب خرج عن ذلك إلى أن يكون معصية يستحق بها العقاب ، فينبغي أن لا يكون مجزئا ، ولأن نية القربة فيه مندوب إليها بلا خلاف ، والتقرب إلى الله تعالى بمعصية محال.
ولا يجوز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات ، وهو قول الأكثر من أصحابنا ، ويدل عليه أن حظر الصلاة وعدم إجزائها في الثوب الذي أصابته نجاسة ، معلوم ، فمن ادعى إجزائها فيه إذا غسل بغير الماء ، فعليه الدليل ، وليس في الشرع ما يدل على ذلك ، وطريقة الاحتياط واليقين ببراءة الذمة من الصلاة يقتضي ما ذكرناه ، لأنه لا خلاف في براءة ذمة المكلف من الصلاة إذا غسل الثوب بالماء ، وليس كذلك إذا غسله بغيره.
__________________
(١) لاحظ المختلف : ١ ـ ٢٣٣ من الطبع الحديث.
(٢) النساء : ٤٣.