الفصل الرابع :
في كيفية الطهارة
وأما الوضوء فتقف صحته على فروض عشرة :
أولها : النية بالإجماع وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ). (١) الآية ، لأن التقدير اغسلوا وجوهكم للصلاة ، وإنما حذف ذكر الصلاة اختصارا ، كقولهم : إذا لقيت الأمير فالبس ثيابك ، وإذا لقيت العدو فخذ سلاحك ، وتقدير الكلام افعل ذلك للقاء. وإذا أمر الله تعالى بهذه الأفعال للصلاة ، فلا بد من النية ، لأن بها يتوجه إلى الصلاة دون غيرها.
ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٢) والإخلاص له لا يحصل إلا بالنية ، والوضوء من الدين ، لأنه عبادة ، بدليل الإجماع.
ويحتج على المخالف بما رووه من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الوضوء شطر الإيمان» (٣) ويحتج عليه في وجوب النية بما رووه أيضا من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى» (٤) ، لأن أجناس الأعمال إذا كانت توجد من غير نية ، ثبت أن المراد أنها لا تكون قربة وشرعية ومجزئة إلا بالنية ، ولأن قوله : «وإنما لامرئ ما نوى» يدل على أنه ليس له ما لم ينو ، لأن هذا حكم لفظة «إنما» في اللسان العربي على ما بيناه فيما مضى من الكتاب.
__________________
(١) المائدة : ٦.
(٢) البينة : ٥.
(٣) كنز العمال : ٩ ـ ٢٨٨ برقم ٢٦٠٤٤ وص ٣١٦ برقم ٢٦٢٠٠.
(٤) سنن البيهقي : ١ ـ ٢١٥.