ينبوع
ما عرفت من البحث في العنوانين المتقدّمين بحث يلحق نوع الماء بما هو هو من دون نظر إلى أقسامه الخاصّة المندرجة تحته ، فأحدهما : ما لحقه باعتبار خلقته الأصليّة من حيث إنّ خلقته هل هي على وصف الطهارة أو لا؟.
وثانيهما : ما لحقه باعتبار الطوارئ اللاحقة به من حيث قبوله من جهتها النجاسة وعدمه ، وقد عرفت ما هو التحقيق في كلا المقامين.
ثمّ ، إنّ هاهنا عناوين اخر مخصوصا كلّ واحد منها بقسم خاصّ من أقسامه المتقدّم إليها الإشارة في الجملة ، ومن جملة تلك العناوين ما هو مخصوص بالكثير الراكد في مقابلة القليل ، والبحث في هذا العنوان يلحقه من جهات :
الجهة الاولى : اختلف العلماء من الخاصّة والعامّة في تقدير الكثير الّذي لا يقبل الانفعال بمجرّد ملاقاة النجاسة ، ففي منتهى العلّامة (١) عن الشافعي وأحمد أنّهما ذهبا إلى تقديره بالقلّتين (٢) ، احتجاجا بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثا » (٣).
وعن أبي حنيفة (٤) : « إن كان الماء يصل بعضه إلى بعض نجس بحصول النجاسة فيه وإلّا فلا ، واختلف أصحابه في تفسير هذا الكلام ، فعن أبي يوسف والطحاوي تفسيره بحركة أحد الجانبين عند حركة الآخر وعدمها (٥) ، فالموضع الّذي لم يبلغ التحرّك إليه لا ينجّس.
__________________
(١) منتهى المطلب ١ : ٣٣.
(٢) أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ : ٣٤١ ، المغني لابن قدّامة ١ : ٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤ ، التفسير الكبير ٢٤ : ٩٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢١ ، تفسير القرطبي ١٣ : ٤٢ ، سنن الترمذي ١ : ٩٨ ـ ٩٩.
(٣) سنن الترمذي ١ : ٩٧ / ٦٧ ـ سنن النسائي ١ : ١٧٥ ـ سنن الدارقطني ١ : ١٦ / ٧.
(٤) بداية المجتهد ١ : ١٣ ، سبل السلام ١ : ٢٠.
(٥) تفسير القرطبي ١٣ : ٤٢.