الجزم بعدم اندراجه في أدلّة انفعال القليل كما اعترفوا به.
وبالجملة : لا إشكال في حكم المسألة أصلا في شيء من صورها ، نعم لو شئت الأخذ بالاحتياط في بعضها فلا بأس به خروجا عن شبهة الخلاف ، لأنّه حسن على كلّ حال.
ويقوي رجحان الاحتياط فيما لو بلغ الاختلاف حدّا يضعف به صدق الوحدة ، لضعف الاتّصال برقّة الساقية أو دقّة الثقبة كرأس الإبرة ونحوه ، إلّا أنّه لا يبلغ مرتبة الوجوب لعدم صلوحه معارضا للأصل الأصيل الّذي تقدّم الكلام في تحقيقه ، نعم ، يتعيّن الانفعال لو بلغ ضعف الاتّصال حدّا لا يقال معه ماء ، بل يقال ماءان.
ولنختم المقام بإيراد فروع :
الأوّل : إذا وقعت في الكرّ نجاسة مائعة غير مغيّرة جاز استعمال جميعه كما صرّح به العلّامة في المنتهى (١) ؛ لأنّه من آثار الكرّيّة ولوازمها ؛ ولأنّه لو منع عن استعماله فإمّا في الجميع أو في البعض ، والأوّل خلاف الإجماع ، والثاني ترجيح بلا مرجّح.
وقد يعزى إلى بعض الشافعيّة (٢) المنع عن ذلك في المقدار من الماء الّذي لا ينفعل بالنجاسة.
وأمّا لو وقعت فيه نجاسة متميّزة فجاز استعمال الماء المجاور لها ولا يجب التباعد ، وفاقا للعلّامة في الكتاب (٣) ، لأنّه منوط بالمائيّة والطهارة وهما حاصلان في الفرض.
الثاني : لا فرق في عدم انفعال الكثير بالملاقاة الغير المغيّرة بين أنواع النجاسة ، لعموم « لا ينجّسه شيء » (٤) خلافا لأحمد (٥) في قوله بالانفعال بوقوع بول الآدميّين وعذرتهم الرطبة ، استنادا إلى قوله عليهالسلام : « لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الّذي لا تجري ثمّ يغتسل منه » (٦) وهو يتناول القليل والكثير.
__________________
(١ و ٣) منتهى المطلب ١ : ٤١.
(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٧ ؛ المجموع ١ : ١٣٩ ؛ فتح العزيز بهامش المجموع ١ : ٢١٤.
(٤) الوسائل ١ : ١٥٨ ، ب ٩ من أبواب الماء المطلق ح ٢.
(٥) المغني لابن قدامة ١ : ٦٦ ؛ إرشاد الساري ١ : ٣٠٤ ، الإنصاف ١ : ٥٩.
(٦) صحيح البخاري ١ : ٦٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢٣٥ ح ٢٨٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٨ ح ٦٩ سنن الترمذي ١ : ١٠٠. ح ٦٨ ، سنن النسائي ١ : ١٢٥ ، سنن الدارمي ١ : ١٨٦ مسند أحمد ٢ : ٣٤٦ ، نيل الأوطار ١ : ٣٩.