وأمّا ما ساق إليه التأويل المذكور ، بل استشهد به لمختاره من صحيحة صفوان بن [مهران] الجمّال (١) ، ففيه : أنّ سياق السؤال الوارد فيها يأبى عن ذلك ، حيث لم يذكر فيه من النجاسات ما يوجب تغيّر الماء عادة ، كما لا يخفى على المتأمّل فيه.
وأمّا ما أيّد به مختاره من اختلاف الأخبار المقدّرة للكرّ وزنا ومساحة.
ففيه : أوّلا : عدم قيام ما يقضي بكون الاختلاف من جانب الشارع ، فلعلّه اختلاف نشأ من الرواة أو الجاعلين للأخبار الكاذبة ، والتأييد إنّما يحصل على التقدير الأوّل دون الأخيرين.
وثانيا : أنّه كم من هذا القبيل في أخبار أئمّتنا المعصومين ، الواردة في جميع أبواب الفقه ، فلو كان ذلك منشأ للأثر وموجبا لتطرّق التأويل إلى الأخبار الظاهرة والنصوص المحكمة ، لم ينضبط قاعدة من قواعد الفقه.
وثالثا : أنّ ذلك لو صلح إشكالا لكان مشترك الورود ، فيتوجّه إلى ما صار إليه بل بطريق أولى ؛ لأنّ مرجع كلامنا إلى أنّ أخبار الكرّ واردة لإحراز موضوع لحكم شرعي معلّق عليه وهو الكرّيّة الّتي ينوط بها عدم الانفعال بشيء ، ومرجع كلامه إلى أنّها إنّما وردت لإعطاء ضابط كلّي وميزان مطّرد لمعرفة موضوع حكم وهو التغيّر المورّث للانفعال ، فإذا كان الأوّل مقتضيا لكون مفادها أمرا مضبوطا وحدّا محدودا ، فكان الثاني أولى بالاقتضاء كما لا يخفى.
ثمّ إنّه بقى الكلام في مقامين ، ينبغي سوق عنان النظر إليهما.
أحدهما : النظر في معمّمات المسألة.
وثانيهما : في مستثنياتها من محلّ وفاق أو خلاف ، فاستمع لما يتلى عليك.
أمّا الكلام في المقام الأوّل ، فمن جهات :
الجهة الاولى : يظهر من صاحب المدارك بعد ما صار إلى انفعال القليل بالملاقاة ، التشكيك في انفعاله بكلّ نجس قائلا فيه : « لكن لا يخفى أنّه ليس في شيء من تلك الروايات دلالة على انفعال القليل بوروده على النجاسة ، بل ولا على انفعاله بكلّ ما يرد عليه من النجاسات » (٢) الخ.
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٦٢ ب ٩ من أبواب الماء المطلق ح ١٢.
(٢) مدارك الأحكام ١ : ٤٠.