فإنّه ممّا لم يقل به أحد ظاهرا ، إلّا أن يحمل النهي الوارد فيها على التنزيه الّذي مفاده الكراهة الّتي ترتفع في موضع الضرورة ، فحينئذ تخرج عن معارضة ما ذكرناه بالمرّة ؛ إذ الظاهر أنّ القائلين بجواز التطهير بماء الاستنجاء يعترفون بالكراهيّة ، ولا يبعد القول بها حينئذ عملا بتلك الرواية من باب المسامحة في أدلّة السنن.
ومن هنا اتّجه أن يقال : بجواز التطهير بماء الاستنجاء خبثا وحدثا على كراهيّة ـ بالمعنى المقرّر في الاصول بالقياس إلى الكراهة المضافة إلى العبادات ـ ودليله الأخبار المتقدّمة.
مضافا إلى الأصل ، والعمومات ، والقاعدة المستفادة من الأدلّة ، والأخبار الجزئيّة الواردة في أبواب الطهارات القاضية بأنّ الماء المطلق الطاهر ممّا يجوز التطهير به مطلقا ما لم ينهض مانع شرعي عنه ، والمقام منه ؛ إذ لم يثبت من الشرع كون الحيثيّة الاستنجائيّة من موجبات المنع عن ذلك.
وإلى القاعدة المقرّرة في الاصول من كون الأمر مقتضيا للإجزاء ، فإنّ المأمور به ليس إلّا استعمال الماء الظاهر في الإطلاق ، الخالي عن النجاسة من جهة الدليل الخارج ، وهذا منه ، فقد اوتي بالمأمور به على وجهه ؛ إذ لم يثبت كون الخلوّ عن حيثيّة الاستنجاء وجها من وجوهه ، فيجب الإجزاء.
المسألة الثالثة : لا إشكال بملاحظة ما ظهر من تضاعيف كلماتنا السابقة في جواز شرب ماء الاستنجاء ومطلق استعماله ، كاستعمال سائر المياه الطاهرة ، ما لم يصادفه عنوان آخر مقتضي للمنع كالخباثة ونحوها ، ومعه يدخل في عموم تحريم « الخبائث » وكونه دائم المطابقة لهذا العنوان المقتضي لدوام المنع عنه ، لو سلّمناه لا ينافي جواز استعماله من الحيثيّة المبحوث عنها ، وإن لم يتحقّق للجواز بهذه الحيثيّة مصداق.
والثالث ممّا ادّعي استثناؤه عن قاعدة انفعال القليل : ماء الغسالة.
والمراد به هنا الماء المستعمل في إزالة الأخباث غير الاستنجاء ، ولا إشكال بل لا خلاف في انفعاله مع التغيّر بما استعمل في إزالته من النجاسة ، واستفاض نقل الإجماع عليه ونفي الخلاف عنه في كلامهم ، ومع الغضّ عن ذلك فوجه المسألة واضح بملاحظة ما تقدّم في شرائط ماء الاستنجاء ، وأمّا مع عدم التغيّر به فاختلف فيه