وأمّا عمومات طهوريّة الماء ـ كتابا وسنّة ـ فلا قضاء لشيء منها بشيء ممّا ذكر ، لكونها ساكتة عن التعرّض لكيفيّة التطهير ومحلّه ، وما يقبله من المتنجّسات ، ولا ينافيه ورودها كلّا أم بعضا مورد الامتنان ، لحصول الامتنان بمجرّد كون الماء بنوعه قابلا لتطهير الغير ، ولا يقتضي أزيد من ذلك ، ولو سلّم اقتضاؤه الزيادة وهو كون هذا الحكم ثابتا لجميع أفراد النوع ، فلا يقتضي حكما بالقياس إلى موارده من حيث القابليّة للتطهّر ، كما أنّه لا يقتضي حكما بالقياس إلى كيفيّة التطهير من جهة ما يعتبر فيه وما لا يعتبر من الشرائط والموانع.
فما ستسمعه عن غير واحد من التمسّك بإطلاق تلك الأدلّة أو عمومها ـ في بعض تفاصيل محلّ البحث وفروعه الآتيتين ـ ليس على ما ينبغي ، إذ التمسّك بالإطلاق عند عدم القيد المفيد للاشتراط ، فرع ثبوت إطلاق في اللفظ يساعد عليه متفاهم العرف ، وهو مع عدم تعرّض الدليل للكيفيّة الراجعة إلى الشرائط نفيا وإثباتا غير معقول ، نعم قيام الدلالة من جهة الإجماع الكاشف عن رأي الحجّة ثابت في المقام جزما ، فإنّهم مجمعون على أنّ الماء المتنجّس بجميع أقسامه قابل للتطهير ، وعلى أنّ مطهّره لا يكون إلّا ماء طاهرا في الجملة ، لكن هذا الإجماع الثاني قد طرأه إجمال في معقده من جهة الشبهة في مدخليّة بعض في حصول التطهير ممّا تقدّم إليه الإشارة ، ومن هنا وقع الخلاف بينهم في اعتبار هذه الامور نفيا وإثباتا ، غير أنّه على تقدير عدم قيام الدلالة على الخروج عن هذه الشبهة لا يورث ذلك إشكالا لا يحصل التفصّي عنه ، لتعيّن مراجعة الأصل حينئذ.
نعم ، ربّما يقع الإشكال في أنّ هذا المرجع هل هو الأصل المقتضي للنجاسة ، وهو استصحاب الحالة السابقة ، أو الأصل المقتضي للطهارة وهو أصالة عدم الشرطيّة؟ فإنّ فيه أيضا خلافا تعرفه ـ مع تحقيقات منّا ـ عند ذكر حجج النافين لشرطيّة لامتزاج ، ولمّا كان موضوع المسألة الّذي هو معقد للإجماع المذكور ممّا يختلف أحكامه باعتبار اختلاف أنواعه ، فلا بدّ من إيراد البحث عنه في مراحل :
المرحلة الاولى : في تطهير الماء القليل المتنجّس متغيّرا أو غيره ، وقد ذكروا فيه أنّه يطهّر بإلقاء كرّ عليه دفعة كما في الشرائع (١) ، هذا إذا لم يكن متغيّرا أو كان وزال تغيّره
__________________
(١) شرائع الإسلام ١ : ٧.