وممّا بيّنّاه ـ من مناط التطهير ـ تعرف عدم اشتراطه بعلوّ المطهّر ولا مساواته في السطح ، لعدم توقّف صدق الوحدة على شيء من الوصفين ، ضرورة أنّها تحصل بعد الملاقاة والاتّصال سواء نزل إليه من عال ، أو ورد عليه من مساو ، أو اتّصل به من تحت بشرط كون الاتّصال حاصلا بينه وبين تمام الكرّ ، كما لو كان هناك فيما بينهما حاجز فرفع ، فلو جرى إليه من فوّارة ونحوها لا يكفي في الطهر لفقده ما هو مناط التطهير وهو الوحدة الحاصلة بالنسبة إلى تمام المطهّر لا جزئه.
فما قد يفصّل في المقام ـ من أنّه إن كان من فوّارة بحيث يكون مستعليا على الماء النجس حصل التطهّر به ، إن كان استعلاؤه بحيث لا يمسّ الماء النجس إلّا بعد نزوله ، وإن كان لا من فوّارة بل إنّما ينبع ملاقيا للماء النجس فبناء على الاكتفاء بالاتّصال في التطهير بمثله ، أو على تسليم الملازمة في أنّه ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر وبعضه نجس مع القول بعدم اشتراط الكرّيّة في الجاري ، اتّجه القول بالطهارة أيضا ، وإلّا أمكن المناقشة فيه لاستصحاب النجاسة ـ ليس على ما ينبغي.
بل الإنصاف عدم حصول الطهر في كلّ من الصورتين لانتفاء الدفعة الّتي عليها مدار الوحدة ، وهو صريح المحكيّ عن العلّامة في نهاية الإحكام من أنّه : « لو نبع من تحت فإن كان على التدريج لم يطهّره وإلّا طهّره » (١).
وكيف كان : فاشتراط الاستعلاء أو المساواة في المطهّر خال عن الوجه ، بل لم نقف عليه بقائل تحصيلا ولا نقلا ، بل العبارات المتقدّمة عن فحول فقهائنا كالشيخ والعلّامة مصرّحة في عدم الاشتراط.
نعم ربّما يستشمّ ـ كما في الروضة ـ (٢) عن تعبيرهم بـ « إلقاء كرّ دفعة » بناؤهم على شرطيّة العلوّ أيضا ، ودونه في الإشعار بذلك ما في الروضة أيضا من أنّ المشهور اشتراط طهر القليل بالكرّ بوقوعه عليه دفعة (٣).
وما عن تذكرة العلّامة من : « أنّا نشترط في المطهّر وقوع كرّ دفعة ، قائلا ـ في ردّ الشافعي ـ : بأنّه لو نبع الماء من تحته لما يطهّر ، وإن أزال التغيّر خلافا للشافعي ، لأنّا نشترط في المطهّر وقوعه كرّا دفعة » (٤).
__________________
(١) نهاية الإحكام ١ : ٢٥٧.
(٢ و ٣) الروضة البهيّة ١ : ٢٥٤.
(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٢١.