بين كونه من فوق أو من تحت ، كما لو كان في إناء ثمّ كسر الإناء في قعر الحوض البالغ كرّا.
وإذا تمهّد جميع ما بيّنّاه فتنقيح المسألة يستدعي رسم امور :
أحدها : النظر في اعتبار الدفعة وعدمه ، فإنّه ممّا اختلفت فيه عبائر الأصحاب فصريح أكثر العبائر المتقدّمة اعتبارها ؛ وفي الحدائق : « بل الظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين » (١) وفي الروضة التصريح بالشهرة (٢) ، وعن ظاهر آخرين بل صريح بعضهم عدم اعتبارها.
وربّما يشتبه المراد بالدفعة هنا فيذكر فيه وجوه ، وذلك لأنّ الكرّيّة إمّا أن تكون محرزة فيما يلقى قبل الإلقاء أو لا ، بل يلقى عليه من الماء القليل مرّات إلى أن يبلغ المجموع الملقى كرّا.
وعلى الأوّل : فإمّا أن يلقى بعضا فبعضا على وجه يحصل الانقطاع فيما بين الأبعاض الملقاة من حين الإلقاء ـ كأن يلقى ثلثه فقطع ، ثمّ يلقى الثلث الثاني فقطع ، ثمّ يلقى الثلث الأخير ـ أو لا ، بل يلقى المجموع بلا انقطاع فيما بين الأبعاض ، وعليه فإمّا أن يتحقّق وقوع المجموع عليه في آنات متعدّدة على نحو التدريج كما لو أجرى الكرّ عليه بساقية ضيّقة ، أو يتحقّق وقوعه في آن واحد عرفي ـ كما هو المصرّح به في كلام جماعة ـ أو حقيقي كما هو المنفيّ في كلامهم.
ولا ينبغي أن يكون المراد بها هنا ما يقابل المعنى الأوّل ، ولا ما يقابل المعنى الثاني ، لأنّ اعتبارها بكلّ من المعنيين ليس أمرا وراء اعتبار الكرّيّة ، فلا معنى للخلاف فيه حينئذ لو كان الخلاف محقّقا ، مع أنّ اعتبار الكرّيّة تغني عن اعتبارها ، لظهور اعتبار الكرّيّة في كون المحرز للإلقاء والمعدّ له كرّا في الواقع واقعا على المتنجّس بوصف الكرّيّة.
فتعيّن أن يكون المراد ما يقابل المعنى الثالث ، وهو المعنى الرابع بعينه كما صرّح به غير واحد ، منهم صاحب المدارك قائلا فيه : « المراد بالدفعة هنا وقوع جميع أجزاء الكرّ على الماء النجس في آن عرفي » (٣) وقريب منه ما في الحدائق (٤).
ويدلّ على إرادته أيضا التقييد بالعرفي في بعض كلماتهم ، بل ما تقدّم عن العلّامة في النهاية والتذكرة أيضا في ردّ الشافعي القائل بكفاية النبع من تحته شاهد بذلك.
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١ : ٣٣٧.
(٢) الروضة البهيّة ١ : ٢٥٤.
(٣) مدارك الأحكام ١ : ٤٠ ، مع اختلاف يسير في العبارة.
(٤) الحدائق الناضرة ١ : ٣٣٧.