الاخر على طريق تعارض العامّين من وجه ؛ حيث إنّ المنطوق بإطلاقه يقضي بنجاسة ما حدث فيه التغيّر سواء بقي على حاله أو لم يبق ، والمفهوم بإطلاقه يقضي بطهارة ما انتفى عنه التغيّر سواء حدث فيه أوّلا أو لم يحدث أصلا ، فلا بدّ حينئذ إمّا من الترجيح بتقديم العمل بالمنطوق أخذا بالكثرة وقوّة الدلالة ونحوها ، فيكون العمل أيضا بالاستصحاب بالمعنى الثالث ، أو القول بالتساقط ، فيندرج المقام حينئذ في موضوع الاستصحاب بالمعنى المعروف ؛ وعليه يتعيّن العمل بهذا المعنى من الاستصحاب.
فنتيجة الكلام : أنّ النظر في أخبار التغيّر يقضي بنجاسة المتغيّر الّذي زال تغيّره إمّا للاستصحاب بمعنى العمل بإطلاق النصّ كما في وجه قويّ ؛ أو للاستصحاب بالمعنى المعروف كما في وجه ضعيف.
وبالتأمّل في جميع ما قرّرناه ينقدح أنّ جريان الاستصحاب بهذا المعنى لا يتوقّف على القول بعدم حجّيّة مفهوم الوصف.
فما يقال ـ في دفع مقالة من فسّر الاستصحاب هنا بالعمل بعموم الدليل ـ من : أنّ الظاهر من الأدلّة أنّ القضيّة دائمة عرفيّة ما دام الوصف ، يعني كلّ ماء متغيّر نجس ما دام متغيّرا فلا تفيد العموم المذكور ، فانحصر الدليل حينئذ في الاستصحاب الممنوع عنده ؛ وتقريره حينئذ : أنّ القضيّة المذكورة وإن كانت دائمة ما دام الوصف في صورة الإثبات إلّا أنّها لا تدلّ على نفي الحكم عند نفيه كما هو المحقّق في مفهوم الوصف ، فيبقى الحكم في ثاني الحال مشكوكا فيه فيتمسّك لثبوته بالاستصحاب حتّى يحصل الرافع اليقيني.
ففيه أوّلا : أنّ القضيّة بالعبارة المذكورة غير موجودة في شيء من أخبار الباب ، وإنّما هي شيء يجري في لسان الفقهاء انتزعوه عن الأخبار فلا يصلح ميزانا لحكم الشرع الّذي يختلف باختلاف مؤدّى العبارات الصادرة من الشارع ، والموجود في خطاباته هنا إنّما هو إعطاء الحكم بعبارة القضيّة الشرطيّة كما عرفت ، ومفهوم الشرط حجّة مضافا إلى ذكر المفهوم في كثير من الأخبار صريحا كما لا يخفى.
وثانيا : أنّ ثبوت المفهوم هنا فيما له مفهوم لا ينافي جريان الاستصحاب بهذا المعنى ، لما عرفت من أنّ أقصى ما فيه الدلالة على نفي الحكم على تقدير انتفاء