والتمحّل له بالجمع بين المطلق والمقيّد غير مفهوم المعنى ، حيث لم يرد التقدير بالكرّيّة للدابّة ، إلّا أن يراد به ما ورد في الرواية السابقة بالقياس إلى الحمار أو هو والبغل ، وفيه : أنّ ما ورد في هاتين الروايتين أشبه بكونه من باب المجمل والمبيّن ، مع ما في التشبّث بتلك القاعدة من إخراج الرواية أجنبيّة عن المطلوب ، حيث إنّ « الدابّة » في تلك الرواية أيضا مطلقة ، فيحمل على مقيّد الرواية السابقة وهو « الحمار » ، بناء على أنّ المقيّد عبارة عمّا دلّ لا على شايع في جنسه ، إلّا أن يتفصّى بعدم المنافاة بينهما من هذه الجهة الّذي هو الداعي إلى الجمع وحمل أحدهما على الآخر ، بخلاف ما بين التحديد بالدلاء والتحديد بالكرّيّة ، المفيد أوّلهما الاجتزاء بما دون الكرّ كما لا يخفى ، ثمّ حمل الجمع على الكثرة لا يقضي بتعيّن الكرّيّة ، لأنّ الكثرة لها مراتب منها الكرّيّة ، ومنها ما فوقها ، ومنها ما دونها في الجملة ، وكون اعتبار الزائد عليها هنا منفيّا بالإجماع ـ على فرض تسليمه ـ لا يقضي بنفي اعتبار ما دونها إذا اندرج في مفهوم الكثرة عرفا ، إلّا أن يتشبّث لنفي كفاية الأقلّ أيضا بالإجماع ، فيتّضح حينئذ منعه مع عدم جدواه في تتميم الاستدلال بالرواية كما هو مقصود المقام ، لكون المطلب إنّما ثبت حينئذ بالإجماع على نفي طرفي الكرّ.
المسألة الثالثة : فيما ينزح له سبعون دلوا بما اعتاده البئر ، ومع الاختلاف فالأغلب كما هو صريح الروضة (١) وغيرها ، وهو على ما اتّفقت عليه كلمة أهل القول بالتنجيس وغيرهم ممّن يوجب النزح ولو تعبّدا موت الإنسان.
وفي المنتهى : « وهو مذهب القائلين بالتنجيس » (٢) ، وفي المختلف : « ذهب إليه أصحابنا » (٣) وعن الغنية (٤) وظاهر المعتبر (٥) دعوى الإجماع عليه ، ومستنده على ما في كلام غير واحد موثّقة عمّار الساباطي المرويّة في التهذيب ، قال سئل أبو عبد الله عن رجل ذبح طيرا فوقع بدمه في البئر؟ قال : « تنزح منها دلاء ، هذا إذا كان ذكيّا فهو هكذا ، وما سوى ذلك ممّا يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكثره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا ، وأقلّه العصفور ينزح دلوا واحدا ، وما سوى ذلك فيما بين هذين » (٦).
__________________
(١) الروضة البهيّة ١ : ٣٧.
(٢) منتهى المطلب ١ : ٧٦.
(٣) مختلف الشيعة ١ : ١٩٥ وفيه : « ذهب علماؤنا ».
(٤) غنية النزوع : ٤٨.
(٥) المعتبر : ١٤ ، حيث نسبه إلى علمائنا القائلين بالتنجيس.
(٦) التهذيب ١ : ٢٣٤ / ٦٧٨.