الثانية : قال في الدروس : « ويعفى عن المتساقط من الدلو وعن جوانبها وحماتها » (١) وفي شرحه للخوانساري تقييد المتساقط بكونه بالقدر المعتاد قائلا : « وهذا الحكم ممّا لا خفاء فيه ، وكاد أن يكون من الضروريّات ، إذ لو لم يكن ذلك لما أمكن تطهير البئر بالنزح في المعتاد » (٢).
وفي حاشية المدارك للمحقّق المتقدّم ذكره : « والمتساقط من الدلو الأخير معفوّ عنه ، للمشقّة العظيمة ، ولأنّ الطهارة معلّقة على النزح وقد حصل ، ولكن الظاهر أنّ المعفوّ عنه هو المتساقط العادي ، فلو خرج عن العادة مثل أن يكون في الدلو خرق ومزق بما يزيد على العادة لم يكن معفوّا عنه ، بل لم يكن الدلو محسوبا من العدد ، وكذا لو تحرّك الدلو بما هو زائد على المعتاد فانصبّ منه كثير ، على أنّ في مطلق الخرق والتمزّق إشكالا ، لأنّ المتبادر من الدلو هو الصحيح السالم.
نعم ، ما يخرج من مسامّات (٣) الدلو ومخارق الإبر لا يضرّ إذا كان الدلو من الدلاء المتعارفة » (٤) انتهى.
والظاهر أنّ مرادهم بالعفو هنا ـ كما هو المصرّح به في الشرح المتقدّم ـ أنّ المتساقط وإن كان متنجّسا لكنّه لا يوجب انفعال ما في البئر بتجدّد أثر على الأثر الأوّل كما في غير الدلو الأخير ، أو تجدّده الرافع للطهارة الحاصلة بالنزح كما فيه.
ويشكل ذلك على القول بالتنجيس بأنّ المحقّق عندهم في تنجّس ماء البئر عدم الفرق بين النجس والمتنجّس ، ولا بين كثير كلّ منهما وقليله ، فكيف يلائم الحكم المذكور لمقالتهم هذا ، وكيف يعقل ذلك إذا كانت الماهيّة الصادقة على القليل والكثير في حكم الشرع مقتضية للتنجيس ، ولزوم العسر الشديد لا يقضي إلّا بنفي التكليف وهو ليس من المدّعى في شيء ، إلّا بإرجاعه إلى تخصيص الأدلّة القاضية عندهم بالانفعال وهي الأوامر الواردة بالنزح.
وفيه : أنّ التزام التخصيص في جميع هذه الأوامر ليس بأولى من التزام التجوّز بإرادة الاستحباب.
__________________
(١) الدروس الشرعيّة ١ : ١٢١.
(٢) مشارق الشموس : ٢٤٤.
(٣) السمّ : الثقب ... ومسامّ الجسد : ثقبه. القاموس المحيط ؛ مادّة « ثقب » ٤ : ١٣٣.
(٤) حاشية البهبهاني على مدارك الأحكام ١ : ١٤٩.