لو كان تأثير النجاسة فيه على سبيل الجزئيّة ، فإنّ قضيّة ذلك توجّه الحكم فيه بالنجاسة أيضا وإن كان ذلك خلاف التحقيق كما عرفت سابقا.
وممّن صرّح بهذا التفصيل في الجملة السيّد الطباطبائي في مصابيحه ـ على ما حكي ـ قائلا : « بأنّه لا يتوهّم من إطلاق الأصحاب بعدم نجاسة الماء بتغيّره بالمتنجّس ، أنّه لا ينجّس بتغيّره بالنجاسة بواسطة المتنجّس أيضا ، بناء على أنّ التغيّر بالواسطة تغيّر بالمتنجّس أيضا لا بالنجاسة ، ومن ثمّ ترى الأصحاب مثّلوا له بالدبس المتنجّس ونحوه ممّا يوجب التغيّر بصفته الأصليّة دون العارضة بواسطة النجاسة إلخ » (١) ، وظاهر هذه العبارة بل صريحها أنّ هذا التفصيل مذهب للأصحاب أيضا.
المطلب الثالث :
التغيّر قد يكون حسّيّا وقد يكون تقديريّا ، والمراد بالأوّل ما من شأنه أن يكون مدركا بإحدى الحواسّ الظاهرة من البصر والذوق والشمّ ، وبالثاني ما لا يكون كذلك من جهة كون النجاسة الواقعة في الماء مسلوب الصفات الأصليّة موافقة له في صفاته بالعارض ، ولكن كانت في المقدار بحيث لو كانت على صفاتها الأصليّة المخالفة لصفات الماء كانت موجبة لتغيّره غالبة صفاتها على صفاته ، فهل المعتبر في التغيّر الموجب لتنجّس الماء أن يكون حسّيّا ، فلا يكفي فيه مجرّد التقدير ما لم يكن التغيّر ممّا يدركه الحسّ ، أو لا؟ بل هو موجب للتنجّس ولو تقديريّا ، بحيث لو لم يكن محسوسا يجب تقدير الأوصاف في النجاسة ، فلو كانت ممّا يتغيّر بها الماء على تقدير وجودها نجس الماء وإلّا فلا.
اختلف فيه الأصحاب على قولين :
أوّلهما : ما عليه الأكثر كما في الرياض (٢) ، وهو قول أكثر الأصحاب كما عن الذخيرة (٣) ، وهو المشهور كما في الحدائق (٤) ، وهو لظاهر المعظم وثاني الشهيدين
__________________
(١) مصابيح الأحكام ـ كتاب الطهارة ـ (مخطوط) الورقة : ١٢.
(٢) رياض المسائل ١ : ١٣.
(٣) ذخيرة المعاد : ١١٦.
(٤) الحدائق الناضرة ١ : ١٨١.