من « أنّ كلام القاضي (١) يعطي نجاسة السؤرين » (٢) ـ يعني : هذا السؤر مع سؤر الجلّال ـ ممّا لا يصغى إليه ، لمخالفته الاصول المعتبرة والأخبار المصرّحة من جهات عديدة ، كيف ولا مستند لشيء من المنع ولا الحكم بالنجاسة إلّا ما نقل من الاستدلال عليه بالمفهوم المتقدّم في موثّقة عمّار المتضمّنة لقوله عليهالسلام : « كلّ ما أكل لحمه يتوضّأ من سؤره ويشرب منه » (٣) وقد تبيّن ما فيه من وجوه المنع.
وقد يجاب عنه : بعدم شموله لجميع أفراد المقام ، لأنّ آكل الجيف قد يكون مأكول اللحم فلا يجري فيه المفهوم ، ضرورة امتناع وقوع شيء واحد موردا للمنطوق والمفهوم معا ، ولعلّه مبنيّ على حمل آكل الجيف على ثاني المعنيين المتقدّم إليهما الإشارة ، وإلّا فعلى أوّلهما كان في غير محلّه ، إذ لم يعهد إلى الآن من أفراد ما يؤكل لحمه ما من شأنه أكل الجيف كما لا يخفى.
وأمّا ما يجاب عنه أيضا : من أنّ الحكم معلّق على عدم مأكوليّة اللحم ولا مدخل لأكل الجيف فيه ، فممّا لا يرجع إلى محصّل ، إذ لو اريد به منع جريان الحكم فيما يؤكل لحمه إذا أكل الجيف بالعرض فمرجعه إلى الجواب السابق ، ولو اريد به منع جريانه في غير مأكول اللحم إذا أكل الجيف فغير مفيد ، لأنّ الحيثيّتين مجتمعتان ، بل الحيثيّة الاولى لا تكاد تنفكّ عن الثانية ، فالمنع ثابت على أيّ تقدير.
والعجب عن الحدائق (٤) وتبعه غيره حيث جمع بين الجوابين ، إلّا أن يرجع الثاني إلى منع انطباق الدليل على موضوع البحث وإن كان قد يجامع مورده.
المسألة الرابعة : بالنظر في بعض ما تقدّم يعلم الحكم في سؤر الجلّال أيضا ، وهو على ما في كلام غير واحد المتغذّي بعذرة الإنسان محضا إلى أن ينبت عليه لحمه ويشتدّ عظمه ، وزاد في المدارك قوله : « بحيث يسمّى في العرف جلّالا قبل أن يستبرأ بما يزيل الجلل » (٥) والظاهر أنّ الأخير قيد يرجع إلى الحكم لا أنّه من قيود الموضوع ، وفيه التصريح بدعوى الشهرة على طهارة هذا السؤر (٦) ، ولا فرق في ذلك بين كون
__________________
(١) المهذّب ١ : ٢٥.
(٢) كشف اللثام ١ : ٢٨٥.
(٣) التهذيب ١ : ٢٢٤ / ٦٤٢.
(٤) الحدائق الناضرة ١ : ٤٣١.
(٥) مدارك الأحكام ١ : ١٣٠.
(٦) حيث قال : « والحكم بطهارة سؤر هذين النوعين ـ أي الجلّال وآكل الجيف ـ بالقيد المذكور وكراهة مباشرته هو المشهور بين الأصحاب » ـ لاحظ مدارك الأحكام ١ : ١٣٠.