الكراهة ، وإلّا فلا فائدة في الإهراق نفسه ، لجواز الانتفاع بهذا الماء في غير جهة الشرب والتطهير به.
لا يقال : لعلّه كناية عن المنع تحريما ، وإنّما علّق على وجدان ماء غيره لأنّه لا تكليف مع الانحصار ، كما هو لازم قولكم : بكونه مبالغة في الكراهة ، إذ لا كراهة مع الانحصار ، لأنّ احتمال التحريم إن كان لمجرّد التعبّد ينفيه الاتّفاق على انتفائه.
نعم ، هذا احتمال ربّما يقال : بدخوله في كلام من منع من سؤر ما لا يؤكل لحمه.
لكن يزيّفه : أن لا مانع عن سؤر ما لا يؤكل لحمه إلّا الشيخ (١) ، وقد صرّح هنا بنفي البأس ، والحلّي في السرائر (٢) ، وقد عرفت سابقا أنّه أدرج المقام فيما لا يمكن التحرّز عنه ، وإن كان لأمر يرجع إلى الطبّ ، وهو تأثير السمّية في الماء.
ففيه : أنّ التأثير إن كان محقّقا لا محالة فهو يقضي بالمنع مطلقا ، فلا وجه للتفصيل.
ومن هنا يمكن أن يؤخذ الرواية دليلا على انتفاء النجاسة عن هذا السؤر كما تنبّه عليه بعضهم ، وإن كان محتملا فهو لا يقتضي إلّا رجحان الاجتناب احتياطا ، ولعلّه لأجل ذلك عبّر الشيخ عن الكراهة بأفضليّة الاجتناب ، كما فهم المعالم قائلا ـ بعد نقل عبارة النهاية المتقدّمة ـ : « يتوجّه عليه المطالبة بدليل ما ذكره من أفضليّة ترك الاستعمال ، ولعلّه نظر في الفأرة إلى ما سيأتي في باب النجاسات ـ إن شاء الله ـ من دلالة بعض الأخبار على رجحان الغسل ممّا لاقته برطوبة ، وفي الحيّة إلى ما يخشى من تأثير سمّها في الماء ، فإنّ ذلك ونحوه كاف في أفضليّة العدول عن هذا الماء إلى غيره » (٣) انتهى.
وبالجملة الكراهة هنا ممّا لا إشكال فيه ولو من جهة الاعتماد على مجرّد الشهرة وذهاب أساطين الفرقة.
المسألة الحادية عشرة : اختلفت كلمتهم في الوزغة ، فالمنسوب إلى ابن إدريس (٤) والفاضلين (٥) ووالد العلّامة (٦) وجمهور المتأخّرين طهارة سؤرها ، وعن
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٢٤ ـ الاستبصار ١ : ٢٥.
(٢) السرائر ١ : ٨٥.
(٣) المعالم ١ : ٣٧٠.
(٤) السرائر ١ : ٨٣ حيث قال في آخر بحث منزوحات البئر : « فأمّا إذا مات فيها عقرب أو وزغة ، فلا ينجّس » الخ ـ قريب منه ما في بحث الأسآر لاحظ (السرائر ١ : ٨٥).
(٥) وهما العلّامة في منتهى المطلب ١ : ١٦٩ ؛ وفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد ١ : ٢٨.
(٦) حكاه عنه ولده العلّامة في مختلف الشيعة ١ : ٤٦٥.