وفُتات المِسك وقِطَع الثَّلج والسُكَّر ولُعَاب العَسل ورغْوَتهُ وما تقطَّع من النَّدى على الشجر ، والمراد هنا المعنى الأَوَّل ، وزعم بعضهم المعنى الأَخير. الطَّلِّ هو الندَى أَو فوقه ودون المطر ، ويطلق على المطر الضعيف ، وليس بمرادٍ هنا ، وإِضافة الرُّضاب إِليه من قَبِيل إِضافة المشبَّه به إِلى المشبَّه ، أَي الطلّ الذي في الأَزهار بين الأَشجار ، كالرُّضاب في فم الأَحباب ، كقوله :
والرِّيحُ تَعْبَثُ بالغُضُونِ وقَد جَرَى |
|
ذَهَبُ الأَصِيلِ عَلَى لُجَيْنِ المَاءِ (١) |
أَي ماء كاللُّجَين ، ومن قال إِن الإِضافة بيانِيَّة فقد أَخطأ ، وكذا من فسَّر الرُّضابَ السَّحِّ ، والطلّ بأَخفِّ المَطر ، فكأَنه أَجاز إِضافة الشيء إِلى نفسه مع فساد المعنى ، على أَن السحَّ إِنما هو من معاني الرَّاضِبة دون الرُّضاب ، كما سيأْتي في محلّه. من كِظَامٍ متعلّق برشفت ، وهو بالضم جمع كَظَمٍ مُحرَّكة وهو الحَلْق أَو الفم. وفي الأَربعين الودعانية : فبادِرُوا في مُهَل الأَنفاس ، وحْدَة الإِخلاس ، قبل أَن يُؤخَذ بالكَظَم. ومنهم من فسروه بأَفواهِ الوادي والآبارِ المتقارب بعضُهَا بعضاً ، وقيل : الكِظامة : فمُ الوادي الذي يخرج منه الماء وليس في الكلام ما يدلُّ على الأَودية والآبار ولا بتقارب بعضها بعضاً ، كما فسّروه ، لا حقيقةً ، ولا مجازاً ، ولا رمزاً ، ولا كنايةً ، وفي بعض الشروح كِظَام الشيءِ : مبدؤُه ، والصحيح ما أَشرنا إِليه. الجُلِّ بالضم ، كذا هو مضبوط في نسخة شيخنا الإِمام رضيّ الدين المِزجاجي ، قيل : معناه مُعظَم الشيء ، وقيل : هو بالفتحِ ، وفسّره بالياسمين والورد أَبيضِه وأَحمرِه وأَصفره ، والواحدة بهاء ، أَما المعنى الأَوّل فليس بمرادٍ هنا قطعاً لأَنه حينئذ لا يُذكَر إِلا مضافاً ، لفظاً أَو تقديراً ، ككلّ وبعض ، وهذا ليس كذلك ، أَما رواية الفتح فهي أَيضاً غير صحيحة ، وقد باحَثَني في ذلك شيخُنا الإِمام المذكور ، أَطال الله بقاءه ، حين وصلتُ إِلى هذا المحلّ عند القراءة بحضرة شيخنا السِّيد سليمان الأَهدل وغيره ، فقلت : الذي يعطيه مَقام اللفظِ أَن اللفظة مُعَرّبة عن الفارسيّة ، ومعناه عندهم الزّهر مطلقا ، من أَي شجرٍ كان ، ويصرف غالباً في الإِطلاق عندهم إِلى هذا الورْد المعروف ، بأَنواعه الثلاثة : الأَحمر والأَبيض والأَصفر ، فأَعْجِبا بما قرَّرْت وأَقَرَّاه. والجَادِي قال قاضي كَجرات : هو طالب المَطر ، عطف على الطفاوة ، أَي وما أَخذ الجادي الماءَ من السحاب ، وقيل : هو الخمر ، عطف على رُضاب ، ولا يخفى أَن فيما ذكر من المعنيين تكلُّفاً ، والصحيح أَنه نوع من الزَّهرِ كالنرجس والياسمين ، وهو المناسب ، ومن قال : إِنه عطفُ تفسيرٍ لما قبله فقد أَخطأَ ، فإِن الجلّ إِنما يُطلقُ على الياسمين والورد فقط ، كما قدّمنا ، ثم إِن الذي تقدم آنفاً مقروناً بالعبْهرِ فمعناه الزعفران لا غير ، فلا يكون إِعادته هنا لإِيضاحٍ أَو غير ذلك ، كما وهِم فيه بعضُ الشرَّاح ، لاختلاف المعنيين ، قال شيخُنا : وفي رشفْتُ الاستعارة بالتبعيَّة ، لوجود الفعل وهو مشتق ، ويجوز أَن يكون بالكناية ، كأَنشَبت المنيَّةُ أَظفارَها ، وأَن يكون استعارة تصريحيّة ، فإِذا اتضح ذلك عرفت أَن الرُّضاب الذي هو الريق شُبِّه به الطلّ ، والشمس الذي هو معنى الطفاوة شُبِّه بشخصٍ مرتشِف لذلك الرِّيق ، وجَعَل له أَفواهاً وثغوراً هي كِظام الجلِّ والجادي هما الورد والنرْجس والياسمين ، وإِن كان تشبيههَا بالأَقاحِ أَكثَر دوراناً ، كما قال الشاعر :
بَاكِرْ إِلَى اللَّذَّاتِ وارْكَبْ لَهَا |
|
سَوَابِقَ الخَيْلِ ذَوَاتِ المِرَاحْ |
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَرْشفَ شَمْسُ الضُحَى |
|
رِيقَ الغَوَادي مِن ثُغورِ الأَقَاحْ |
وبَعْدُ كلمة يُفصَل بها بين الكلَامَينِ عند إِرادة الانتقال من كلام إِلى غيره ، وهي من الظروف ، قيل : زمانيّة ، وقيل : مكانيَّة ، وعامله محذوفٌ ، قاله الدَّماميني ، والتقدير ، أَي وأَقول بعد ما تقدَّم من الحمد لله تعالى والصلاة والسلام على نبيه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم. فإِنّ بالفاء ، إِما على تَوهُّم أَمَّا ، أَو على تقديرها في نظْمِ الكلام ، وقيل : إِنها لإِجراء الظرف مُجْرَى الشرْط ، وقيل : إِنها عاطفة ، وقيل زائدة. للعلمِ أَي بأَنواعِه وفُروعه. رِيَاضاً جمع رَوْضة أَو رَيْضة ، وقد تقدم شيء من معناها ، ويأْتِي في مادته ما هو أَكثر. وحِيَاضاً جمع حَوْض ، وهو مُجتَمع الماء. وخَمائِلَ جمع خَمِيلة وهي من الأَرض المكرِمة للنَّبات ، والرمْلة التي تُنبت الشجر ، وقالوا هي الشجر الملتفّ ، والموضع الكثيرُ الشجرِ. وغِيَاضا جمع غَيْضة ، وهي الغَابَة الجامعة للأَشجار
__________________
(١) البيت لابن خفاجة الأندلسي ، ديوانه ص ١٧.