وأَما في مشهور الكلام فلا يتعدّى ما أَتَت الروايات فيه كسْراً ، كضرَب يضرِب ، أَو ضمّاً نحو قتل يقتُل ، ويريدون بمجاوزة المشاهير أَن يَرِد عليك فِعل لا تعرف مُضارعَه كيف هو بعد البحث عنه في مظانِّه فلا تجده ، ومجاوزة المشاهير ليست لكل إِنسان ، وإِنما هي بعد حفظ المشهورات ، فلا يتأَتى لمن لم يدرس الكُتب ولا اعتنى بالمحفوظ أَن يقول قد عدمت السَّماع فيختار في اللفظة يفعِل أَو يفعُل ، ليس له ذلك ، وقال بعضهم : إِذا عُرف أَن الماضي على وزن فعل بفتح العين ولم يعرف المضارع ، فالوجه أَن يجعل يفعِل بالكسر ، لأَنه أَكثر ، والكسرة أَخف من الضمة ، وكذا قال أَبو عمرو المطرز حاكياً عن الفراء إِذا أَشكل يفعُل أَو يفعِل فبتْ على يفعِل بالكسر ، فإِنه الباب عندهم ، قلت : ومثله في خاتمة المصباح ، وقد عقد له ابنُ دريدٍ في كتاب الأَبنية من الجمهرة باباً ، ونقله ابن عُصفور وغيره ، قال شيخنا : ومقالة أَبي زيد السابق ذكرها قد ذكرها ابن القُوطية في صدر كتابه ، وكذا ابنُ القطاع في صدر أَفعاله مبسوطاً ، والشيخ أَبو حيان في البحر ، وأَبو جعفر الرُّعيني في اقتطاف الأَزاهر ، ثم إِنه قد وجد بعد هذا الكلام زيادة ، وهي في نسخة شيخنا وشرح عليها كما شرح المناوي وغيره.
ومن المحاسن الدالّة على حسن اختصاره أَن كلّ كلمة عرَّيْتها أَي جرَّدتها. عز الضَّبط فيه بأَن لم أَتعرض لها بكونها بالفتح أَو الضم أَو الكسر. فإِنها بالفتح في أَوله ، فإهمالها من الضبط هو ضبطها. إِلّا ما اشتهر بخلافه اشتهاراً رافعاً للنَزاع أَي الخصومة. من البَيْن فإِنه على ما هو المشهور في ضبطه ، وفي الفقرة التزام ، وهذه النسخة ساقطة عندنا من بعض الأُصولِ ولذا أَهملَها المحبُّ بن الشحنة والبدر القرافي وغيرهما ، كما قاله شيخنا. قلت : ولو أَهملها من أَهمل فلا خلاف أَنها من اصطلاح المصنف وقاعدته ، كما هو مشهور. وما سوى ذلك مما ذكرنا من التعرِية عن الضبط والتقييد. فأُقَيّده من الإِطلاق. بصريح الكلام أَي خالصه وظاهره ، أَو أَكتبه بالكلام الصريح الذي لا شُبهة فيه ولا اختلال ولا كناية ، حال كوني. غير مُقْتَنع أَي غير مكتف ولا مجتز. بتوشيح القِلام بالكسر جمع قَلَم ، وهو مقيس كالأَقلام ، أَي لا يقنع بمجرّد ضبط القلم ، أَي وضع الحرَكة على الحرف ، لأَن ذلك عُرْضة للترك والتحريف ، وهذا من كمال الاعتناء ، ووشّحه توشيحاً : أَلبسه الوِشاح على عاتقه ، مخالفاً بين طَرَفيه ، ويأْتي تمامه ، والفقرة فيها الالتزام والجناس المحرّف اللاحق. مكتفياً بكتابة هذه الأَحرف التي اخترعها واقتطعها من الكلمات التي جعلها أَعلاماً لها في اصطلاحه ، وهي ع د ة ج م وهي خمسة. عن قولي : موضعٌ ، وبلدٌ ، وقريةٌ ، والجمع ، ومعروف فالعين والدال والهاء من آخر الكلمات ، والجيم والميم من أَوائلها ، لئلا يحصل الاختلاط ، وفيه لفّ ونشر مرتّب. فتلخَّص أَي تبين الكتاب واتضح. وكُلُّ غَثٍّ وهو اللحم المهزول ، ومن الحديث : الفاسد. إِن شاءَ الله تعالى (*) جاءَ بها تبركاً. عنه أَي الكتاب. مَصروف أَي مدفوع عنه ، وقدمه اهتماماً ومناسبة للفقرة ، وفيها الالتزام ، قال شيخنا :
وضابط هذه جمعَه المصنّف بنفسه في بيتين ، نقلهما عنه غير واحد من أَصحابه وهما :
وَمَا فِيه مِنْ رَمْزٍ فخمسَةُ أَحْرُفٍ |
|
فمِيمٌ لمعْرُوفٍ وعَيْنٌ لموضِعِ |
وجِيمٌ لجَمْعٍ ثم هَاءٌ لقَرْيَة |
|
وللبَلَد الدَّالُ التي أُهْملَتْ فَعِي |
وفي أَزهار الرياض للمقّرِيّ :
وما فيهِ مِنْ رَمْزٍ بحرْفِ فخمْسَةٌ
ونسبهما لعبد الرحمن بن معمر الواسطي. وقد ذيَّل عليهما أَحدُ الشعراء فقال :
وَفِي آخرِ الأَبْوَابِ وَاوٌ وياؤهَا |
|
إِشارةُ وَاوِيٍّ وَيَائِيّها اسْمَعِ |
واستدرك بعضهم أَيضاً فقال :
وَما جَاءَ في القَاموس رَمْزاً فِستَّةٌ |
|
لموضِعهم عَيْنٌ ومعْرُوفٍ الميمُ |
وجَجٌّ لجمْعِ الجَمْعِ دَالٌ لبَلْدةِ |
|
وقَرْيتُهُمْ هاءٌ وجمْعٌ له الجِيمُ |
ونقل شيخنا عن شيوخه ما نصه : ووجد بهامش نسخةِ المصنف رحمهالله تعالى بخطّه لنفسه :
إِذا رُمْت في القاموس كَشفْاً لِلَفظةٍ |
|
فَآخِرُها لِلْباب والبَدْءُ لِلْفَصْلِ |
ولا تَعتَبر في بدئِها وأَخِرِها |
|
مزيداً ولكنَّ اعتبارَك للأَصلِ |
__________________
(*) زيادة من القاموس.