يكون الامر يسيرا لو أن المترجم له غير هذا الرجل ، ويهون الامر لو كان من هؤلاء الرجال المحدودة حياتهم وأعمالهم ، أما رجل كهذا الرجل الرحب العريض ، فمن الصعب جدا أن يتحمل كاتب عبء الحديث عنه ، والتوفر عليه ، لانه يشعر حين يقف اليه أنه يقف إلى جبل ينبض بألوان من الحياة ، متدفقة من كل نواحيه وجوانبه ، فلا يكاد يرد كل لون إلى مصدره إلا ببحث عليه مسؤوليات من المنطق والعلم ، قد ينوء بها عاتق المؤرخ الامين.
ويكفيك من تعريفه ـ على سبيل الاجمال ـ ما يعرفك به الكتاب من فنه وعلمه ، وكنا نود لو يتاح لنا ان نقف وقفة خاصة لهذه الناحية الفنية المتعبة ، ولا سيما ونحن منه في سبيل العلم والفن اللذين اجتمعا للمؤلف فصاغا هذا الكتاب متساندين صياغة قدرة وابتداع ، قل أن نجد لها ندا في مقدور زملائه من الاعلام (أمد الله في حياة أحيائهم).
ولكن إحكام الكتاب على هذا النحو من قوة العارضة في الادب ، وبعد النظر في البحث ، وسلامة الذوق في الفن وحسن التيسير في ايضاح المشاكل ، وتحليل المسائل ، أطلق له لسانا من البيان الساحر اغنانا عن الاخذ بالاعناق إلى مواضع جماله ، فكل بحث فيه لسان مبين عن سره، يناديك حين تغفل عنه ، ويدعوك بصوته حين تمر به سهوان ، ولا تقدر لنفسك أن تتملاه أو تعجب به.
وكتاب فيه هذه الحياة لا ينفك عن صاحبه بحال ، ولا تحسب ان للكتب حياة خاصة مستقلة ، فليست حياة الكتب غير حياة المؤلفين والكتاب نفسها ، فاذا سمعت نبأة ، وأدركت حسا في كتاب ، فانما تسمع جرس الكاتب ، وتحس حسه عينه.
وبعد فسأتركك عند هذا القدر من المعرفة بهذا الامام ، ولك أن تكتفي