بحقه في الخلافة ، والاحتجاج على من عدل عنه بها على وجه لا تشق بهما للمسلمين عصا ، ولا تقع بينهم فتنة ينتهزها عدوهم ، فقعد في بيته حتى أخرجوه كرها بدون قتال ، ولو أسرع اليهم ما تمت له حجة ، ولا سطع لشيعته برهان ، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين والاحتفاظ بحقه من خلافة المسلمين ، وحين رأى أن حفظ الاسلام ، ورد عادية أعدائه موقوفان في تلك الايام على الموادعة والمسالمة ، شق بنفسه طريق الموادعة ، وآثر مسالمة القائمين في الامر احتفاظا بالامة ، واحتياطا على الملة ، وضنا بالدين ، وإيثارا للاجلة على العاجلة ، وقياما بالواجب شرعا وعقلا من تقديم الاهم ـ في مقام التعارض ـ على المهم ، فالظروف يومئذ لا تسع مقاومة بسيف ، ولا مقارعة بحجة (*).
٢ ـ ومع ذلك فإنه وبنيه ، والعلماء من مواليه ، كانوا يستعملون الحكمة
__________________
انهم منحوه عني من بعده ، فما راعني الا انثيال الناس على فلان يبايعونه ، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فخشيت ان لم أنصر الاسلام وأهله ان أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم ، التي انما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان ، كما يزول السراب أو كما يتقشع السحاب ، فنهض في تلك الاحداث حتى زاح الباطل وزهق ، واطمأن الدين وتنهنه ، إلى آخر كلامه ، فراجعه في نهج البلاغة.
____________________________________
(*) وللدكتور سعيد عاشور المصري محاضرة قيمة جداً ألقاها في جامعة الكويت موضوعها : كتابة التاريخ من جديد ، وتعرض فيها إلى جلوس أمير المؤمنين عن الخلافة ، فعلى الباحثين أن يقفوا عليها فهي جديرة بالاهتمام وهي منتشرة بصوته ومطبوعة أيضاً.