سطع ـ أيام تلك الطبقة ـ نور أهل البيت ، وكان قبلها محجوبا بسحائب ظلم الظالمين ، لان فاجعة الطف فضحت أعداء آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأسقطتهم من أنظار أولي الالباب ، ولفتت وجوه الباحثين إلى مصائب أهل البيت ، منذ فقدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واضطرت الناس بقوارعها الفادحة إلى البحث عن أساسها ، وحملتهم على التنقيب عن أسبابها ، فعرفوا جذرتها وبذرتها ، وبذلك نهض أولوا الحمية من المسلمين إلى حفظ مقام أهل البيت والانتصار لهم ، لان الطبيعة البشرية تنتصر بجبلتها للمظلوم ، وتنفر من الظالم ، وكأن المسلمين بعد تلك الفاجعة دخلوا في دور جديد ، فاندفعوا إلى موالاة الامام علي بن الحسين زين العابدين ، وانقطعوا إليه في فروع الدين وأصوله ، وفي كل ما يؤخذ من الكتاب والسنة من سائر الفنون الاسلامية ، وفزعوا من بعده إلى إبنه الامام أبي جعفر الباقر (ع) ، وكان أصحاب هذين الامامين « العابدين الباقرين » من سلف الامامية ألوفا مؤلفة لا يمكن إحصاؤهم ، لكن الذين دونت أسماؤهم وأحوالهم في كتب التراجم من حملة العلم عنهما يقاربون أربعة آلاف بطل ، ومصنفاتهم تقارب عشرة آلاف كتاب أو تزيد ، رواها أصحابنا في كل خلف عنهم بالاسانيد الصحيحة ، وفاز جماعة من أعلام أولئك الابطال بخدمتهما وخدمة بقيتهما الامام الصادق عليهمالسلام ، وكان الحظ الاوفر لجماعة منهم فازوا بالقدح المعلى علما وعملا.
فمنهم أبوسعيد أبان بن تغلب بن رباح الجريري القارئ الفقيه المحدث المفسر الاصولي اللغوي المشهور ، كان من أوثق الناس ، لقي الائمة الثلاثة فروى عنهم علوما جمة ، وأحاديث كثيرة، وحسبك انه روى عن الصادق