والتصور.
ومن هذا القبيل (التوحيد) و (القضاء والقدر) و (الاختيار) فإن آيات التوحيد الموزعة في مواضع كثيرة من القرآن عند ما تجتمع وينتظم عقدها تقدم لنا تصورا كاملا عن وحدة الخالق ، ووحدة السلطان والسيادة في حياة الإنسان ، وإلغاء أي سيادة وسلطان من دون سلطان الله ، وشرعية كل سيادة وسلطان في امتداد سلطان الله تعالى وسيادته وولايته على الإنسان.
وفي هذه المجموعة المنتظمة من الآيات يرتبط الإيمان بالولاء والبراءة وبسيادة الله تعالى وسلطانه على الإنسان ، وعبودية الإنسان وطاعته لله تعالى ، وتمرده وبراءته من الطاغوت ، وبمسألة الإمامة ، وبخلافة الإنسان على وجه الأرض لله تعالى ، وهي مجموعة منتظمة من المسائل وقضايا الفكر والعقيدة والعمل مرتبطة ومنسجمة ومتكاملة.
وكذلك قضية (الاختيار) و (القضاء والقدر) و (الخير والشر) و (الهداية والضلالة) مسائل مترابطة ومتكاملة تتوزع وتنتشر في مواضع كثيرة من القرآن ، ولا يمكن فهم هذه الآيات فهما سويا صحيحا ، ولا يمكن أن نفهم ما يريده الله تعالى في هذه الآيات إلا إذا جمعناها إلى جنب بعض ، ونظمناها في سلسلة واحدة مترابطة ، وخصصنا عمومات الآيات العامة بالتخصيصات الواردة في القرآن ، وقيدنا مطلقات الآيات بالقيود الواردة في آيات أخرى ، وضممنا الأفكار المتعددة بعضها إلى جنب بعض. عندئذ فقط يمكن فهم ما يريده الله تعالى في هذه الآيات ، ومن دون ذلك لا نكاد نستطيع أن نفهم حقائق هذا الكتاب حق الفهم.
فقد يتلقى المتلقي آية من كتاب الله فيتصور أنها تريد الجبر المطلق ، وتسلب الإنسان حريته وإرادته بشكل مطلق ، وقد يقرأ آية أخرى فيتصور أن القرآن يقرر الاختيار المطلق ، ويفصل الإنسان ومصيره بشكل كامل عن مشيئة الله تعالى وإرادته ، بينما لا يقرر القرآن الكريم أيا من المعنيين.
وفهم ما يريده القرآن لا يمكن إلا من خلال جهد علمي يقوم به المتخصصون في القرآن بتجميع هذه الآيات وتنظيم هذه الأفكار ، واستخراج وحدة فكرية وتصورية ، ونظام فكري شامل من خلالها وهذا هو الجهد الذي يقوم به العلماء المتخصصون في القرآن من خلال (التفسير الموضوعي) للقرآن الكريم.
لقد نزل القرآن نجوما في ثلاث وعشرين سنة ، وكان لنزول طائفة كبيرة من آيات القرآن أسباب وعلل يسميها العلماء بأسباب النزول ، ولا تكاد تفهم الآية إلا من خلالها.
ومن هذه الآيات ناسخ ومنسوخ ومجمل ومبين. ولا نتمكن أن نفهم هذه الآيات إلا إذا جمعنا بعضها إلى بعض ، ووضعنا بعضها إلى جنب بعض ، فإن القرآن يستخدم كثيرا طريقة الإطلاق في بيان حكم أو تصور أو سنة وفي آيات أخرى يذكر الشروط والقيود ، وما لم نجمع هذه الآيات ونجعل بعضها إلى جنب بعض ، ونفسر بعضها ببعض لا نستطيع أن نفهم كتاب الله وما فيه من أحكام وسنن وتصورات ومفاهيم. ومن الخطأ أن نستخلص حكما أو سنة أو تصورا من خلال آية واحدة من كتاب الله تعالى دون أن نعرضه على سائر الآيات.
أما لماذا يستخدم القرآن هذا الأسلوب في بيان الأحكام والسنن والتصورات؟ فهو أمر له علاقة بأسلوب