أما المدونات الشيعية ، فهي تختص بروايات المعصومين ـ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة من أهل بيته عليهمالسلام ـ لا يدخلون فيها غير روايات أهل البيت عليهمالسلام من الآراء والآثار ، وهي تخلو نسبيا من الإسرائيليات التي يكثر نقلها في الطائفة الأولى من المدونات التفسيرية ، ولكن المدونات الشيعية تعاني من آفة أخرى في الرواية سوف نذكرها إن شاء الله.
المرحلة الثالثة : تبدأ تقريبا من القرن الخامس الهجري ، وفي هذه المرحلة يكتسب علم التفسير نضجا حقيقيا ، ويبدأ علماء التفسير بممارسة الاجتهاد والرأي في كتاب الله ، ويتجاوز التفسير مرحلة الرواية والنقل والتجميع إلى مرحلة الاجتهاد والنظر والرأي من قبيل : الواحدي في القرن الخامس الهجري ، والزمخشري في القرن الخامس والسادس الهجري ، وفخر الدين الرازي في القرن السادس الهجري ، من علماء السنة ومن علماء الشيعة السيد الرضي في (حقائق التأويل) في القرن الرابع والخامس الهجري ، وشيخ الطائفة الطوسي في القرن الخامس الهجري في تفسير (التبيان) وغيرهم.
ومنذ القرن الخامس الهجري دخل التفسير بصورة في العلوم الإسلامية الرئيسية والأساسية ، وبدأ ينمو ويتكامل وتكتمل عناصر نضجه بصورة مستمرة ، وفي حقول مختلفة ، ومن منطلقات مختلفة ، كالفقه والعرفان والفلسفة والأدب والرواية والأخلاق ، وغيرها.
وتضافرت جهود العلماء المتخصصين في القرآن في بلورة المفاهيم والأفكار والتصورات والأحكام القرآنية بصورة منظمة ، كما تكونت في هذه المرحلة (علوم القرآن) إلى جنب التفسير ، وهي سلسلة من المسائل الأساسية التي لا بد منها في البحث القرآني لأي باحث في القرآن الكريم ، من قبيل : الإعجاز ، الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، التفسير والتأويل.
وإذا أردنا أن نتابع الحركة العلمية في التفسير وعلوم القرآن من القرن الخامس الهجري إلى اليوم عند علماء الفريقين الشيعة والسنة ، نجد أن هذه المرحلة مرحلة خصبة في الفكر القرآني ، تمخضت عن كثير من الأفكار والتصورات ، وفتحت على البشرية آفاقا واسعة جديدة من القرآن ، واستنبطت الكثير من المسائل في مختلف أبواب المعرفة القرآنية.
ونستطيع أن نقول : إن الحركة العقلية في القرآن الكريم ابتدأت في هذه المرحلة ، ودخل العقل الإسلامي آفاق القرآن ، ولا زال يواصل جهده وحركته في آفاق كتاب الله.
وينبغي أن لا يغيب عنا ركام الأخطاء والانحرافات التي أخلفها هذا الجهد العقلي خلال هذه الفترة ، فقد حاولت المذاهب الفكرية والسياسية المختلفة إخضاع القرآن الكريم بالتأويل لصالح أفكارها وعقائدها ، لا إخضاع آرائها وأفكارها للقرآن ، وبالتالي حملوا القرآن الكريم ما لا يتحمل من توجهات فكرية مختلفة ، بعيدة عن روح القرآن الشفافة ، وبعيدة عن رسالة القرآن.
وكان للحركات الباطنية والصوفية قصب السبق في هذا المجال ، وبذلك حرموا من شفافية النص القرآني وأصالته ، ومن روح القرآن وهديه.