والرأي الآخر هو الذي تتبناه بعض الطوائف الإسلامية في إباء النص القرآني للتفسير وعدم حجية ظواهر القرآن ، واحتجوا على ذلك بجملة من الروايات والأحاديث ، لا تنهض بهذه الدعوى ، وانتهوا إلى أن النص القرآني لا يمكن فهمه بشكل دقيق ، إلا إذا اقترن هذا النص بتفسير دقيق من جانب المعصوم.
وهذا الاتجاه كالاتجاه الأول لم يقاوم الحركة العلمية التي قام بها علماء المسلمين من بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الوقت الحاضر من تفسير القرآن.
وساد بين هذا التصور وذاك تصور ثالث وسط ، كان هو التصور الحاكم على الأوساط العلمية الإسلامية وهو الحاجة إلى التفسير لفهم النص القرآني أولا ، وقبول النص القرآني للتفسير ، وإمكان التدبر والتأمل في آيات كتاب الله لعامة العلماء ثانيا.
الحاجة إلى التفسير لفهم النص القرآني
لقد شاع بين المسلمين تفسير القرآن وتدريسه منذ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اليوم ، ولو لا الحاجة إلى التفسير لفهم النص القرآني ، وتيسيره إلى الأذهان لم يشع بين المسلمين أمر التفسير منذ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الوقت الحاضر إلى هذه الدرجة.
وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أول من فسر القرآن ، وإلى هذه الحقيقة تشير النصوص التالية :
١ ـ سئل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن السبيل في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الزاد والراحلة». (١)
٢ ـ وسألت عائشة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الكسوة الواجبة في كفارة الأيمان في قوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ) (٢) فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عباءة لكل مسكين». (٣)
٣ ـ وسأله رجل من هذيل عن قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ). (٤)
قال : يا رسول الله ، من تركه فقد كفر؟
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من تركه لا يخاف عقوبته ، ولا يرجو ثوابه». (٥) وهو بمعنى الإنكار والجحود لهذه الفريضة الإسلامية التي هي من ضروريات الإسلام.
__________________
(١) الإتقان ٤ : ٢٥٠.
(٢) المائدة ٥ : ٨٩.
(٣) الإتقان ٤ : ٢٥٣.
(٤) آل عمران ٣ : ٩٧.
(٥) الإتقان ٤ : ٢٥٠.