بإجابتك ـ كلما دعوتنا ـ إلى اصطلام (٩) كل من سلطنا عليه ، فمتى شئت فادعنا نجبك ، وبما شئت فمرنا به نطعك.
يا علي ، يا وصي رسول الله ، إن لك عند الله من الشأن العظيم ما لو سألت الله أن يصير لك أطراف الأرض وجوانبها هيئة واحدة كصرة كيس لفعل ، أو يحط لك السماء إلى الأرض لفعل ، أو يرفع لك الأرض إلى السماء لفعل ، أو يقلب لك ماء بحارها الأجاج ماء عذبا أو زئبقا أو بانا (١٠) ، أو ما شئت من أنواع الأشربة والأدهان لفعل ، ولو شئت أن يجمد البحار ، أو يجعل سائر الأرض مثل البحار لفعل ، فلا يحزنك تمرد هؤلاء المتمردين ، وخلاف هؤلاء المخالفين ، فكأنهم بالدنيا قد انقضت بهم كأن لم يكونوا فيها ، وكأنهم بالآخرة إذا وردت عليهم كأن لم يزالوا فيها.
يا علي ، إن الذي أمهلهم ـ مع كفرهم وفسوقهم وتمردهم ـ عن طاعتك ، هو الذي أمهل فرعون ذا الأوتاد ونمرود بن كنعان ، ومن ادعى الألوهية من ذوي الطغيان ، وأطغى الطغاة إبليس رأس الضلالات.
ما خلقت أنت وهم لدار الفناء ، بل خلقتم لدار البقاء ، ولكنكم تنقلون من دار إلى دار ، ولا حاجة لربك إلى من يسومهم ويرعاهم ، لكنه أراد تشريفك عليهم ، وإبانتك بالفضل فيهم ، ولو شاء لهداهم.
قال : فمرضت قلوب القوم لما شاهدوا من ذلك ، مضافا إلى ما كان من مرض حسدهم (١١) له ولعلي بن أبي طالب عليهالسلام ، فقال الله تعالى عند ذلك : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي في قلوب هؤلاء المتمردين الشاكين الناكثين ، لما أخذت عليهم من بيعة علي عليهالسلام (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) بحيث تاهت له قلوبهم ، جزاء بما أريتهم من هذه الآيات والمعجزات (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) في قولهم : إنا على البيعة والعهد مقيمون».
قوله تعالى :
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ [١١] أَلا
إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ [١٢]
٣٣٤ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليهالسلام : «قال العالم موسى بن جعفر عليهالسلام : إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة
__________________
(٩) الاصطلاح : الاستئصال. «الصحاح ـ صلم ـ ٥ : ١٩٦٧».
(١٠) البان : ضرب من الشجر طيّب الزهر ، ومنه دهن البان. «الصحاح ـ بون ـ ٥ : ٢٠٨١».
(١١) في «س» : أجسادهم.
سورة البقرة آية ـ ١١ ـ ١٢ ـ
١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ١١٨ / ٦١.