في يوم الغدير (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بإظهار نكث البيعة لعباد الله المستضعفين فتشوشون عليهم دينهم ، وتحيرونهم في دينهم ومذاهبهم (قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) لأنا لا نعتقد دين محمد ، ولا غير دين محمد ، ونحن في الدين متحيرون ، فنحن نرضى في الظاهر محمدا بإظهار قبول دينه وشريعته ، ونقضي في الباطن إلى شهواتنا ، فنتمتع ونترفه ونعتق أنفسنا من دين (١) محمد ، ونكفها من طاعة ابن عمه علي ، لكي إن أديل (٢) في الدنيا كنا قد توجهنا عنده ، وإن اضمحل أمره كنا قد سلمنا من سبي أعدائه.
قال الله عز وجل : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) بما يفعلون من أمور أنفسهم ، لأن الله تعالى يعرف نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم نفاقهم ، فهو يلعنهم ويأمر المسلمين بلعنهم ، ولا يثق بهم أيضا أعداء المؤمنين ، لأنهم يظنون أنهم ينافقونهم أيضا كما ينافقون أصحاب محمد ، فلا يرفع لهم عندهم منزلة ، ولا يحلون عندهم بمحل أهل الثقة».
قوله تعالى :
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ
السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ [١٣]
٣٣٥ / ١ ـ قال الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام : «إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة ـ قال لهم خيار المؤمنين كسلمان ، والمقداد ، وأبي ذر ، وعمار ـ : آمنوا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعلي عليهالسلام الذي أوقفه موقفه ، وأقامه مقامه ، وأناط (١) مصالح الدين والدنيا كلها به ، آمنوا بهذا النبي ، وسلموا لهذا الإمام في ظاهر الأمر وباطنه (٢) ، كما آمن الناس المؤمنون كسلمان ، والمقداد ، وأبي ذر ، وعمار.
قالوا في الجواب لمن يفضون (٣) إليه ، لا هؤلاء المؤمنين ، لأنهم لا يجسرون (٤) على مكاشفتهم بهذا الحديث ، ولكنهم يذكرون لمن يفضون إليه من أهليهم الذين يثقون بهم من المنافقين ، ومن المستضعفين ، ومن المؤمنين الذين هم بالستر عليهم واثقون يقولون لهم : (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) يعنون سلمان وأصحابه ، لما
__________________
(١) في المصدر : رقّ.
(٢) الإدالة : الغلبة ، يقال : اللهمّ أدلني على فلان وانصرني عليه. «الصحاح ـ دول ـ ٤ : ١٧٠٠» ، وفي المصدر : لكيلا نزل.
سورة البقرة آية ـ ١٣ ـ
١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ١١٩ / ٦٢.
(١) ناط الشّيء ينوطه نوطا ، أي علّقه. «الصحاح ـ نوط ـ ٣ : ١١٦٥».
(٢) في «س» : وسلموا لظاهره وباطنه.
(٣) أفضى إلى فلان بالسّرّ : أعلمه به. «المعجم الوسيط ـ فضا ـ ٢ : ٦٩٣».
(٤) جسر على كذا يجسر جسارة ، أي أقدم. «الصحاح ـ جسر ـ ٢ : ٦١٤».